مع نجاح العصيان المدنى الاول وإعلان العصيان المدنى الثانى يوم 19 من هذا الشهر ارتفعت الكثير من الأصوات التى تنتقد دور الأحزاب وتدعوا الى عزلها وكذلك الأصوات التى تشن هجوما حادا على اصحاب هذه الدعوة وتحاول إسكاتها باعتبار ان الوقت ليس مناسبا وان الأهم هو الوحدة فى إسقاط هذا النظام وان مثل هذه الدعوة هى دعوة كيزانية ومن مندسين او من يخدمون أهداف البشير والموءتمر الوطنى لفركشة المعارضة وإطالة عمر النظام. ولعل الخطا الذى يقع فيه من يقومون بدعوة عزل الأحزاب هو افتراض ان هناك خطا فاصلا بين من قاموا بالاعتصام الاول ومن دعوا للاعتصام القادم من جانب وبين الأحزاب فى الساحة السودانية من الجانب الاخر. نعم قد تكون قيادات بعض هذه الأحزاب قد فوجئت بإعلان العصيان لكن وللامانة فقد تمت استجابة سريعة من قبلها ولقد تبنته ودعمته كل الأحزاب باستثناء احزاب الموءتمر الوطنى من شعبى وغيره. ان من الموءكد ان هناك قطاع عريض وخاصة من الشباب الذين ينتمون الى هذه الأحزاب قد قاد وساهم إسهاما فاعلا فى الدعوة الى العصيان. لذا لم يكن الانحياز الواضح والسريع بمستغرب. ان خطورة الدعوة الى عزل الأحزاب هى دعوة بعدم الاعتراف بالخيار الديمقراطي اذ لا يستوى وجود ديمقراطية بلا احزاب. فالعمل الجاد هو فى وضع كل ما يساعد أحزابنا لتتطور وتشيع الديمقراطية فى صفوفها. هذا هو الطريق الوحيد اذ لا يمكن استيراد احزاب من بلد اخر او كوكب اخر لتمارس دورا أساسيا بعد إسقاط هذا النظام. هذا يمكن تحقيقة بالتشريع لعمل هذه الأحزاب وإلزامها بممارسة الديمقراطية والشفافية فى عملها فى المرحلة القادمة. ان الديمقراطية فى الغرب لم تولد وهى فى عنفوان شبابها. فمشروع إقامة وطن ديمقراطى هو مشروع لن يكتمل أبدا ويحتاج الى الجلوس على الارض والتعلم من تجارب الآخرين وتطويعها لتتناسب مع واقعنا. ان الحلم بإقامة نظام ديمقراطى وبأحزاب ناضجة تمارس الديمقراطية والشفافية ومنذ اليوم الاول لاسقاط ابشع نظام ديكتاتوري فى تاريخ بلادنا هو امر مستحيل ان لم يكن حلم ظلوط ولكنه امر ممكن تحقيقه ويحتاج الى الصبر النشط وأعمال الذهن. فالديمقراطية تنضج وتتطور أحزابها وممارستها بالمزيد من الديمقراطية لا بالدعوة الى عزل الأحزاب. ولعل الدعوة الى عزل الأحزاب لا يقابلها القبول السلبى بممارسات هذه الأحزاب ولا قمع كل من يجهر بالنقد والتقريح فى مصداقية بعضها والتزامها بالخيار الديمقراطي. انه نقد وتخوف مشروع قد يجنح الى التطرّف فى مثل هذا الوقت من مواجهة عصابة الانقاذ. وهى دعوة قد تتقاطع وتختلط مع أصوات جهاز أمن البشير وعصابته وقد تخدم اغراضهم فى تفريق صفوف المعارضة لمنازلة هذا النظام ان لم نحتكم الى صوت العقل والحوار الهادىء فى هذا الوقت الحرج. نعم يجب ترتيب الاولويات دون اغفال الهدف من إسقاط وازالة هذا النظام وهو إقامة وطن حر وديمقراطي. وهى مهمة مع جسامتها وعدم التهوين من شانها ممكنة اذا اتفقنا ان نحترم حقنا فى الاختلاف مع السير نحو الهدف المشترك والذى لا نختلف حوله. ان هذا البديل يمكن الوصول اليه بالاتى: 1- تحديد أهداف المشروع ومعرفة ما نريد تحقيقة. وهنا لا بد من التوثيق الدقيق والواضح لهذه الأهداف والتحقق من أية افتراضات. ان الاختلاف امر صحى ومفيد ولكن لا بد من توخى الحذر فى ادارته لمصلحة وطننا ومواطنيه. 2- الاستفادة من دروس الماضى وخاصة أكتوبر ومارس ابريل بان لا نبدل طاغية بطاغية اخر ولا نظام باطش باخر اكثر بطشا. وهذا لا يتأتى بافتراض ان إسقاط الانقاذ يعنى وبالضرورة قيام بديل ديمقراطى. ان الضامن الوحيد هو العمل الجاد بوجود قيادة واعية ومثابرة تعمل بلا كلل حتى لا يسرق جهد بنات وأبناء وطننا. 3-تجاهل المخاطر المحدقة بأية تغيير لا يعنى ان هذه المخاطر ستختفي بل لا بد من تحديد المخاطر ووزنها ومعرفة كيفية التعامل معها. ومن هذة المخاطر على سبيل المثال ان يعتلى سدة الحكم مغامر اخر من الجيش او المليشيات التى تمتلك السلاح ولها مصلحة حقيقية فى بقاء نظام الموءتمر او نظام يمثل امتدادا له بدعوى المحافظة على الأمن والاستقرار تماما كما زعم كل الانقلابيين من عبود الى مجرم الحرب البشير. 4- يجب عدم الاستهانة بنظام الانقاذ واستعداده للاستماته فى التمسك بالسلطة او تبيديل جلده عن طريق انقلاب اخر يضمن لهم استمرار حكمهم لممارسة المزيد من النهب والقمع. نعم للاختلاف الذى سيعاد على وضوح الروءية لبلوغ اهدافنا فى ازالة هذاالكابوس الجاسم على صدر شعبنا ولا للتخذيل بدعوى عدم وجود بديل [email protected]