ظلت القوى والزعامات التي لا ترى في الجماهير إلا قطيعاً ، ومثلها الأنظمة الدكتاتورية ، تاريخياً ، تنسب للأحزاب أي حراك جماهيري للتحرر من قبضتها واستغلالها ، حتى تفت من عضد ووحدة الموقف الجماهيري ، كما تظن. ويعود ذلك لنظرتها للجماهير القائمة علىَ عدم الثقة اولاً ، ولعدم إيمانها ، أو حرصها على تنظيمها ثانياً. أما الذين يستخدمون الدين لأغراضهم السياسية والدنيوية ؛ سيما الأخوان ؛ فقد درجوا على دمغ كل من يعارضهم ، بالشيوعية. بل إن تعبئتهم السياسية والإعلامية قائمة بالأساس علي هذه الفرضية ، ولو لم يكن للشيوعية وجود لاختلقوها ، مثلهم في ذلك كمثل نظرية الأمن القومي الأمريكية ، لا بد من وجود عدو خارجي ، فحينما انهارت التطبيقات الشيوعية للاشتراكية ، وتراجع الدور الدولي للاتحاد السوفيتي، اختلق الامريكان طالبان والقاعدة وصولاً لما عرف "بالاسلاموفوبيا". وفقاً لمنطوق تلك النظرية ّ؛ الأستاذ الرزيقي ، ومن تتلمذ على ازدراء الجماهير ومن ينصبون أنفسهم أوصياء عليها من سدنة الدكتاتورية ، بدءاً بكبيرهم الذي علمهم الى آخر نفعي في دهاليز سلطة الفساد والاستبداد ؛ ولا تغرنك الأسماء والصفات والمواقع ؛ جميعاً حالهم يغني عن سؤالهم. وماذا ننتظر بعد (الزارعنا غير الله يجي يقلعنا) ، و (shoot to kill) ، والمفهوم السرمدي للسلطة وعدم تسليمها إلا للمهدي المنتظر ، وفي رواية أخرى المسيح عليه السلام. أزمة الأستاذ الرزيقي ( بلاغياً إيراد الجزء للدلالة على الكل) ، مزدوجة لجمعه بين الأختين ، الدكتاتورية والإخوان ؛ علماً بأنهم ليسوا إخواناً ، وليسوا بمسلمين ، كما وصفهم في عنوان مقال له ، شيخهم حسن البنا ، وهو في قمة محنته مع التنظيم الخاص . العصيان المدني تقليد راسخ في وجدان وتاريخ نضال شعب السودان ، وسلاح فعال في مخيلة وإرادة شعب السودان ، يستله ويستلهمه كلما ادلهمت الخطوب ، ويمتطي بلقاء جواده ؛ نذكر الآن أن الأستاذ المحامي الراحل شوقي ملاسي هو أول من اقترحه ؛ ليتبناه من بعده المحامون والقضاة ، ولينتشر بعد ذلك مثل النار في الهشيم ، ولم يتوقف إلا باستسلام نظام عبود في اكتوبر 1964. واستلهم الأطباء سيد محمد عبد الله ، وخالد شاع الدين ورفاقهم في مستشفى الخرطوم الذكرى ، لتتبناها نقابة الأطباء ، ليتسع نطاقها ولا يتوقف إلا باستسلام النظام المايوي في ابريل 1985. *التمسك بالعصيان المدني والاضراب السياسي ، والدعوة اليه ليست جديدة ، إنما الأهم لحظة الحس الثوري بها لإطلاقها ، وربط الدخول فيها بهدف إسقاط النظام ؛ وهى لحظة لا تجب ما قبلها ، أو تأتي من فراغ.* ألم يسمع ، إن لم يقرأ ، بملحمة اكتوبر التي تفتقت فيها عبقرية الأستاذ هاشم صديق الشعرية ، مثلما تفتقت عبقرية وملكات الموسيقار محمد الأمين ... عصينا عصينا وشلنا عصينا علي الحرية منو بوصينا .... *ظلت القوى الحية منذ يونيو 1989، تعمل لهذه اللحظة التاريخية بصبر ، وجلد ، مضحية بكل غال وثمين في سبيلها ، منذ إضرابها للدفاع عن الديمقراطية (كما نص ميثاق الدفاع عن الديمقراطية عن ذلك والدكتاتورية في مهدها) ؛ مروراً بالملاحم الخالدة والمتواصلة ، لضباط حركة رمضان المجيدة ، والطلاب ، مخضبين سلاح العصيان بالأرواح والدماء ، وفي جسارات المناصير ، والفولة ، والحماداب ، وشرق النيل ، ومناهضة سدود الدمار والخراب ، والأطباء ، والصيادلة ، والمحامون ، والمعلمون ، والنساء ، والشباب ، حتى زينت لوحة الشرف الباذخ ، أم كبس ، ومثيلاتها وأمثالها من المسحوقين من نهج دكتاتورية الرأسمالية الطفيلية وفسادها وفساد المنتفعين من صولجانها.* سيسمع شعبنا الذي بدأ يهدر في الشوارع كالسيول ؛ وهو يردد: الثورة انطلقت ... الرصاص لن يثنينا قسما قسما يا اكتوبر نجني ثمارك نحمي شعارك .... وللشمس النايرة قطعنا بحور حلفنا نموت أو نلقي النور ..... *سيسمع شعبنا ، المنتصرة إرادته ، حشرجة الروح الأخيرة لنظام يلفظ في أنفاسه ، ولقوى اجتماعية منبتة ، متخلفة ، وعاجزة (بسبب مصالحها) ، عن الدفاع عن الكرامة الوطنية ، ووحدة الشعب وعزته.* *سيسمع شعبنا لآخر ما تبقى من بذاءة في قاموس الإفلاس السياسي والخواء الروحي للهامان والفرعون ؛ فكل إناء بما فيه ينضح*. *والويل ، كل الويل لمن يستخف بإرادة الشعب الجبارة.* *وما العصيان المدني ، والإضراب السياسي ، إلا سلاحه الذري لإسقاط أكثر الدكتاتوريات فساداً وتدميراً وتخريباً ، وسنيناً عجافاً ؛ ولقطع الطريق على المتربصين ، وانتهازيي الساعة الأخيرة ، من قوى البديل الزائف.* *وليكن عصيان 19 ديسمبر، بيومه الأوحد ، مدخلاً لعصيان مفتوح حتى النصر ، لا بسقوط الدكتاتورية فحسب (كما حدث في اكتوبر 64 وابريل 84) ؛ وإنما مدخلاً لتصفية مرتكزاتها ، بعد أن نضجت كل الظروف الموضوعية وأزفت الساعة ؛ وبشواهدها التي لا تحصى ولا تعد.* *استووا ، نظموا الصفوف ، سدوا الفرقة ، وثقوا التحالف علي الأرض ، ولا يغرنكم سكرات موت الجماعة..... والغنائم ،* *ولتكن كلمة السر :* *الشعب يريد إسقاط النظام .* *ويردد المدي:* *العصيان المفتوح....* *درقتي وسيفي* . [email protected]