غداة اعتصام 19 ديسمبر الآخير، كتبت رأياً في قروب يحمل اسم 27 نوفمبر (الاعتصام المدني السوداني) وهو واجهة كبيرة في قيادة الاعتصام، قلت فيه أن الاعتصام في ذلك اليوم، حقق نسبة أقل من 50% في الخرطوم، وأقترحت خطوة تالية في تبني شعار(أرحل) واجهة للمرحلة باعتباره الهدف الرئيسي في الوقت الراهن، فالتخلص من رأس الحية يعني القضاء على بقيتها واقترحت تشكيل جبهة باسم(أرحل) تتخذ صفة الحزب الجامع بعد سقوط النظام لينافس في الساحة السياسية على غرار(تمرد) المصرية. بعد هذا الطرح فوجئت بهجوم شديد من اعضاء في القروب اتخذ طابع السطحية وعدم الموضوعية وتبادل الرأي ووصل إلى لغة يعف اللسان عن ذكرها واتهامات وإساءات فكان طبيعياً أن أنجو بنفسي من هذا المستنقع. كان لابد من هذا النموذج لشرح جملة أخطاء يقع فيها الشباب المتحمس غير المنظم في حملة اسقاط النظام المتآكل، بسبب الافتقار للقيادة السياسية الحكيمة التي توجه هذا الحماس للاتجاه الصحيح وتخطط له ليتحرك مرحلياً بالتوازي مع أي حملة أكاذيب وأراجيف واتهامات يبثها النظام لاجهاض حركة الشعب السوداني(القرفان)على قرار أن الاعتصام وراءه الشيوعيون وعملاء اسرائيل وغيرها من الاسقاطات السخيفة. من الأخطاء الجسيمة أيضاً(في اعتقادي) التي ارتكبت باسم الحماسة وبعيداً عن الكياسة من بعض دعاة الاعتصام، حملة التخوين ومصادرة حرية الرأي والرأي الآخر.. فمن غير المعقول أن نعيب على النظام الحاكم تضييقه على الحريات ومصادرة الرأي الآخر والآراء السياسية، ونسلك ذات الاتجاه بنقل المعركة من ميدانها الرئيسي اسقاط النظام ورمزه الفاشل، إلى مطاردة من يساندونه والتشهير بهم في المواقع واعتبار ذلك نصراً هو في الحقيقة(زائف) لأن أهم هدف يجب أن تحمله حركة التصحيح والسودان الجديد بعد إسقاط النظام، هو الديمقراطية واتاحة مبدأ حرية الاعتقاد الديني والسياسي دون حجر او مطاردة أو تشهير. استغربت عندما وصلتني قائمة من 90 شخصاُ تم تعميمها ووصفهم بأنهم (طابور خامس)في المملكة السعودية مرفق معها أرقام هواتفهم وأسماء زوجاتهم ومهنهم ومهنهن ومناطقهم في السودان.. والغريب أن القائمة حوت مسئولين كبار في السفارة وقنصلية جدة!!! طابوقيل أنهم طابور خامس للنظام الذي عينهم في هذه المناصب لأنهم بطبيعة الحال ينتمون إليه وليس العكس بأنه استقطبهم طابوراً خامسا لأنهم يشغلون هذه المناصب!فالتعيين في وظيفة مرهون بالانتماء للمؤتمر الوطني وليس الكفاءة. المرحلة تستوجب التركيز على رأس الحية وليس يقية جسدها، فتعرية البشير وإجباره على ترك الكرسي أهم من مطاردة البسطاء وصغار المنتمين للمؤتمر الوطني وممن لايدينون له بولاء كامل ويمكن أن ينضموا لصف الرافضين والمعتصمين في أي لحظة ولنا في مصر القريبة بعد ثورة 25 يناير أسوة حيث لايزال أنصار الحزب الوطني(حزب الرئيس مبارك) ينششطون في الساحة السياسية ولن ينحسر نشاطهم بين ثورة وضحاها بعد 30 عاما من حكم مصر. (الهبّة) الشبابية الحالية في مواقع التواصل الاجتماعي وعبر الجاليات في عواصم العالم لاسقاط النظام القمعي، بحاجة إلى جسم سياسي بقيادات شابة خبيرة لهزم مقولة(منو بديل البشير)، ليس من بينهم السياسيون منتهيي الصلاحية(Expire)أمثال الصادق المهدي وإبن عمه مبارك الفاضل والمتاجرين بقضايا دارفور وجنوب كردفان وجبال النوبة جبريل أبراهيم ومناوي وعقار وياسر عرمان وغيرهم .. فقد حان الوقت لتقديم قيادات شابة متفتحة تحمل ملامح السودان الجديد الجميل بدون ضغائن أو أحقاد سياسية يحكمه الدستور والمؤسسات وإرادة المواطن لا الرئيس وتسلطه وتجبره. جمال عيسى [email protected]