نلاحظ فى الآونة الأخيرة توالى المقالات من أبناء الحركة الاسلامية الذين عادوا إلى وعيهم بعد فوات الأوان. واستيقظوا على فشل الحركة شكلا وموضوعا فى قيادة المجتمع بالقوة الجبرية، لأنهم لم يقرءوا التاريخ جيدا. فالمتتبع لتاريخ الأحزاب الأيديولوجية فى العالم يلاحظ الفشل الذريع الذى لاحق (أستاذتهم) حركة الإخوان المسلمين فى مصر طوال سبعين عاما فى إقناع الشعب المصرى بأطروحاتها سواء فى زمن الملكية فى مصر أو فى أزمنة الحكم العسكرى المتوالية. وفشل حزب البعث وتسببه فى تدمير دولتين كبيرتين لهما تاريخ عظيم فى الحضارة الإسلامية والتاريخ المعاصر، هما سوريا والعراق. والنموذج الأكبر هو الحزب الشيوعي السوفيتي فقد انطلقت الثورة البلشفية عام 1917 أى منذ مائة عام لتبشر الروس والعالم بدولة الإشتراكية (حيث لكل حسب عمله ولكل حسب حاجته) وتعلمون حجم الجرائم التى ارتكبت فى حق الشعب السوفيتى طوال أكثر من ثمانين عاما حتى انهيار الفكرة الجهنمية على يد البروسترويكا أو الإصلاح على يد جورباتشوف. ومهما قيل من قبل المناصرين للفكرة الشيوعية من أن جورباتشوف كان عميلا للمخابرات الأمريكية وغير ذلك من المبررات، فإن انهيار نظام بالكامل ولد الشيوخ فى ظلاله بهذه السرعة واختيار الشعب شيوخا وشبابا ونساءا للحزب الديموقراطى المسيحى حاكما، إنما يوضح هشاشة الفكرة منذ البداية. كما تبدو لنا هشاشة فكرة الاسلاميين فى بعث الخلافة (فى هذا العصر). هذه الفكرة التى حطمت دولا بإمكانات كبيرة مثل السودان وليبيا وسوريا. إذ أن العصر الذى نعيشه ليس مهيئا لقيام هذه الخلافة الآن. وليس هنالك مسلما حقيقيا لايتمنى أن يعيش ويتنقل بحرية عبر العالم الإسلامى كدولة واحدة. ولكن يجب أن ندرس معطيات العصر، حيث يبدوالعالم الإسلامى اليوم للجميع ممزقا بين سنة وشيعة بلغ العداء بينهما مبلغا يفوق العداء بين العرب وإسرائيل. كما أن الشيعة أنفسهم ينقسمون إلى فرق مختلفة وكذلك السنة. والعقل والمنطق يقول أن تقوى الدول الإسلامية فرادى وتتحد فى سوق اقتصادية جامعة وتنسق بين سياساتها المتناقضة الآن وهذا يكفى فى الوقت الحاضر. وقناعتى الشخصية بالنسبة للسودان أننا لسنا فى حاجة لجماعات إسلامية بل ان وجودها أثر سلبا على إسلامنا الفطرى . كنا نحتاج إلى (قانون) فقط يلغى بعض السلبيات التى ورثناها عن الإستعمار البريطانى مثل وجود الحانات وبعض مظاهر الرزيلة المحدودة. وأقول (المحدودة ) لأن الكثيرين بل غالبية الشباب قد عاش هذا العصر ولم ينغمس فيه. وهذا يدل على طهارة الشعب السودانى ونقاء فطرته الإسلامية. ولكم أن تقارنوا بين حالة الفساد (المحدودة) قبل ربع قرن وبين حالة الفساد اليوم لتدركوا الفرق. كما أن وجود جماعات اسلامية مختلفة التوجهات تفرق وحدة المجتمع الإسلامى ولا تجمعه وهذا واضح فى السودان ومصر وغيرها من الدول التى استشرت فيها هذه الجماعات، إذ انقسم المجتمع على نفسه وأصبحت هنالك عداءات بين مكونات المجتمع الواحد. ومن الصعب أن تلتئم جروح مجتمعاتنا ويعود نقيا كما كان. متماسكا كما كان. وهذا يدل على سذاجة وقصر نظر مفكرى هذه الحركات الفطيرة. [email protected]