من أعظم ما يمكن للإنقاذ التفاخر والاعتزاز به هو ثورة التعليم العالي وما صاحبها من توسع مذهل وانتشار واسع للمؤسسات التعليمية الحكومية والخاصة في شتى بقاع السودان، مما أسهم وبصورة مباشرة في رفع وانتشار نسبة الوعي والمعرفة وزيادة أعداد الخريجين وحملة الشهادات العليا. لا أريد التحدث الآن عن التوظيف وتوفير فرص العمل، ولكني على قناعة بأنه الأفضل أن يكون لي خريج بدون عمل مع بقاء الأمل، خير من عاطل جاهل أو فاقد تربوي. تحدث كثيرون عن الكم والكيف في العملية التعليمية وقد نتفق أو نختلف مع هذا الرأي أو ذاك، ولكن الراجح وباعتراف خبرات تربوية كثيرة، أن الزيادة الكبيرة والمتسارعة في فتح الجامعات والكليات كان على حساب تجويد الآداء وتثبيت دعائم ما هو قائم. إنتشار العلم والتوسع فيه لا يمكن أن تعد عملية سالبة 100 %، ويحسب للقائمين على الأمر نظرتهم الواسعة والعميقة في التوسع في مؤسسات التعليم العالي مما أسهم وبصورة ملموسة في زيادة أعداد المقبولين لهذه المؤسسات القومية والخاصة. يجب ألا نغفل الحديث عن الأثر الإيجابي الذي أحدثه وجود المؤسسات التعليمية في مدن السودان المختلفة، صغيرة كانت أم كبيرة، خاصة في المجال الاقتصادي والحراك الكبير في الذي أحدثه وجود أعداد كبيرة من الطلاب، أسهمت في إنعاش الإيجارات وزيادة وتحديث سبل المواصلات وإيجاد خدمات لن تعهدها بعض المناطق، هذا بجانب الحراك الاجتماعي والثقافي والرياضي وانتشار الوعي والمعرفة. نادى كثير من المسؤولين الكبار في مجال التعليم العالي إلى ضرورة الالتفات والتركيز على تجويد ما هو قائم والاهتمام بمخرجات التعليم العالي دون التفكير في زيادة المؤسسات التعليمية، ولا أعتقد أن ذلك فائت على واضعي ومنفذي سياسات التعليم العالي وأولهم الوزيرة الفاضلة الدكتورة/ سمية ابو كشوة التي قدمت الكثير في سبيل جودة الأداء في مؤسسات التعليم العالي العامة والخاصة، زادها في ذلك خبرتها ورؤيتها وانتماؤها لجامعة الخرطوم وقربها المباشر من العملية التعليمية بحكم الوظائف العليا التي تقلدها قبل أن تصبح وزيرةن بل من أنجح الوزراء الذين تقلدوا المنصب. ما دعاني لتناول هذا الموضوع هو ما شعرت به من ظلم لحق بعدد مقدر من طلابنا في مؤسسات تعليمية مختلفة. يقال أنه صدر مؤخراً قرار من التعليم العالي بتصنيف الشهادات التي تمنحها مؤسسات التعليم العالي إلى نظامي وغير نظامي. في نظري أن صفة نظامي تشمل الطالب المنتظم في دراسته الجامعية المباشرة داخل قاعات الدرس، قبولاً عاماً كان أو قبول على النفقة الخاصة ويدرس بصورة منتظمة وفق جدول محاضرات وآخر للامتحانات تصدره المؤسسة المعنية ويدرس خلال ساعات اليوم وأيام الأسبوع بالنظام السنوي أو الفصلي حسب نظام الدراسة بالمؤسسة ويخضع للوائح الأكاديمية المجازة لكل طلاب المؤسسة، ويحاسب وفقاً للوائح محاسبة الطلاب ومستوفون لشروط القبول في المؤسسات التعليمية في حدها الأدنى. كما هو معلوم فإن قبول الطلاب في المؤسسات التعليمية العليا عامة كانت أم خاصة يتم عن طريق مكتب القبول بوزارة العليم العالي والبحث العلمي الذي يوزعهم على المؤسسات بحسب رغباتهم واستيفائهم لشروط القبول وفقاً للمقاعد المتوفرة ويعطى كل طالب رقماً جامعياً يميزه عن الآخرين. هناك أيضاً قبول من نوع آخر تسمح وتعترف به الوزارة وتمنح طلابه الأرقام المميزة ، وغالباً ما يتم من داخل الجامعة ويسمى بالقبول من الداخل أو القبول المباشر ويدرسون دراسة نظامية وبعلم ومباركة الوزارة بحسب تعريف الطالب النظامي الذي أوردته أعلاه. وسبق للوازرة أن وثقت الشهادات الجامعية لهؤلاء الخريجين. هناك طلاب يدرسون بغير الدراسة النظامية التي أشرنا إليها، وأعتقد أن هؤلاء لا يمكن أن نطلق عليهم لقب "طالب نظامي"، لأن اللوائح الأكاديمية ولوائح محاسبة الطلاب النظاميين لا تنطبق عليهم، وأعتقد أنه يجب الفصل في التعامل مع هاتين الفئتين. أعتقد أن تفسير قرار الوزارة الأخير والخاص بتصنيف الشهادات قد تسبب في الضرر لمجموعة الطالب تم قبولهم من داخل الجامعات وكانوا يدرسون دراسة نظامية بكل ما تحمل الكلمة من معنى وتم التوثيق لزملائهم الذين تخرجوا ودرسوا بذات الكيفية التي يدرسون بها، وحسبما ما هو معلوم فإن أي قانون حين صدوره لا يعامل بأثر رجعي، لأنه لا منطق ولا عدالة في ذلك. تسبب قرار الوزارة الأخير في عدم قبول الطلاب المعنيين له وتمثلت وسائل الاحتجاجات في اعتصامات وشكاؤي في المحاكم ربما عصفت باستقرار الدراسة في تلك المؤسسات التي يشعر أساتذتها أيضاً بالظلم الذي وقع على طلابهم، وأعتقد جازماً أن مع المتضررين ألف حق في التعبير بالوسائل السلمية عن مظلمتهم وطرق كل السبل القانون للحصول على حقهم كاملاً. بحكم مسؤوليتي في مؤسسة تعليمية أرجو مخلصاً من المعنيين في الوزارة مراجعة القرار وعدم تطبيقه بأثر رجعي على الطلاب الذين تنطبق عليهم صفة نظامي أسوة بزملائهم الذين تخرجوا على ذات الكيفية ويقول أهل القانون أن السابقة يعتد بها قانونياً وفي ذلك نوع من العدالة، على أن يسري قرار تصنيف الشهادات على القبول الجديد وتكون المسألة واضحة، فمن يقبل بهذه الكيفية لا حق له في المطالبة بمساواته بمن سبقوه. لا أعتقد أن في مراجعة القرار كسر لهيبة الوزارة والرجوع إلى الصواب خير ألف مرة من الاستمرار في الخطأ. أكرر الرجاء من الوزارة العمل على استقرار المؤسسات التي "يتململ" طلابها "المظلومون" حسب اعتقاد كثير من أساتذتهم. كما أناشد الطلاب بعدم اللجوء إلى العنف وتعطيل الدراسة والاستمرار في المطالبة بحقهم الشرعي حسب اعتقادهم بالوسائل السلمية والحضارية ولن يضيع حق وراءه مطالب. د/ بشير محمد آدم – كلية التربية - جامعة الخرطوم [email protected]