من التعابير التي يروجون لها مصريو العصر الحديث مثل الدكتور/ زاهي حواس والدكتور وسيم السيسي كثيراً تعبير (قدماء المصريين واللغة الهيروغليفية) للنأي بهما وفصلهما عن الحضارة النوبية، فاذا كانت هذه الحضارة العظيمة في أرض مصر لقدماء المصريين فأين هم قدماء المصريين الآن .. أيعقل أن ينقرضوا تماما مثل الديناصورات ولم يتبق لهم أثر، وأين لغتهم الهيروغليفية الآن.... فالنوبة موجودين منذ آلاف السنين ولغتهم موجودة الآن وما قدماء المصريين في الحقيقة إلا النوبة واللغة الهيروغليفية إلا لغة النوبة التي يتحدثون بها الآن فجاءت الحضارات واللغات الحية مثل العربية والانجليزية والفرنسية ولم تستطع طمسها حتى الآن لأنها لغة حضارة ولغة أمة وجدت لتبقى منذ القدم تتحدى الزمن مثل آثارهم، محافظين على تراث أجدادهم ولغتهم وثقافتهم الفريدة والمتميزة وما كان بمقدورهم أن ينجزوا مثل تلك الحضارة لو لم يكونوا كذلك. فالدكتور زاهي حواس ووسيم السيسي وأمثالهما مصريين ومن سلالة الذين جاءوا مع الفتح العربي لمصر نعم أو مع الإغريق والرومان والفرس والهكسوس نعم ولكن أن يكونوا من أحفاد الفراعنة فهذا مسألة فيها نظر!!!! فما يُسمى بالحضارة المصرية امتداد لحضارة السودان القديم وليس كما يحاول بعض الكتاب المصريين للفصل والتفريق بينهما لينسبوا ما على الجانب المصري لهم ويسمونها (المصريات أو الحضارة الفرعونية) بينما سموا هم ما على الجانب السوداني (بالحضارة النوبية)... أليس هنالك بعض النوبيين حتى يومنا هذا يعيشون داخل التراب المصري فأين حضارتهم داخل التراب المصري إذن إذا كانت الحضارة مصرية!!! فالصحيح أن الحضارة نوبية ولكنها على أرض مصرية... وليست مصرية لان مصر اليوم نتاج لتشكيل لا يزال مستمراً لعدة شعوب أتت على فترات متباعدة من مناطق ذات حضارات شتى واثنيات مختلفة فوجدوا هذه الحضارة على أرض مصر أقامتها قومية أخرى تختلف عنهم كل الاختلاف في اللون والجنس واللغة والثقافة.... ولمحاولة نسب هذه الحضارة اليهم، صوروا ان الصراعات كانت تدور (بين الحضارة النوبية والمصرية) وهي ليست كذلك... فالصراعات كانت تقوم بين الأسر النوبية ذات النفوذ.. كانت حروب داخلية بينهم على امتداد السودان ومصر وكل أسرة كانت لها منطقة نفوذها بعينها، فمتى ما قويت شوكتها كانت تفرض هيمنتها على الأسر المجاورة لها وتتخذ من منطقتها عاصمة للاقليم الذي يحكمونه... فاذا كانت الحضارتان منفصلتين لكانت لكل منطقة عاصمة أبدية لها والعكس هو الصحيح فكانت عواصم الاسر الفرعونية تنتقل من منطقة لأخرى طبقا لقوة الأسرة فحتى داخل مصر الحالية كانت لكل أسرة فرعونية عاصمتها الخاصة وهنا أنقل نصاً : كما تستعرض "بوابة الوفد" لعواصم مصر بمختلف العصور، في حين كانت أول "تنيس" الموقع الحالي المنزلة بالدقهلية قبل 2950 ق. م ،.فيما يلي عاصمة مصر "منف" 2950 ق. م. 2180 ق. م ، من الأسرة الأولى وحتى الأسرة الثامنة الفرعونية. وفي الاسرتين التاسعة والعاشرة الفرعونية كانت اسم عاصمة مصر "هيركليوبوليس" إهناسيا الحالية خلال الفترة 2180 ق.م. 2060 ق. م ، ثم تناقلت الأسرة الحادي عشر طيبة (الأقصر الحالية) خلال الفترة2135 ق.م. 1985 ق.م، ولتجتاوي. 1985 ق.م. 1785 ق.م.، الأسرة الثانية عشرة. في حين عادت من جديد عاصمة مصر طيبة 1785 ق.م. 1650 ق.م، الأسرة الثالثة عشرة. وفي الأسرة الرابعة عشرة خاسوت سخا الحالية خلال الفترة 1715 ق. م. 1650 ق. م، ثم أواريس (زوان الحالية) 1650 1680 ق.م، الأسرة الخامسة عشرة (الهكسوس),عاصمة الأسرة السادسة عشرة التي كانت في مملكة كوش . واستقر علي عاصمة مصر "طيبة "خلال الفترة 1650 ق.م. 1353 ق.م، الأسرتان السابعة عشرة والأسرة الثامنة عشر (بعد إخناتون). وعاصمة أخيتاتون (تل العمارنة الحالية) حوالي 1353 حوالي 1332 ق.م، إخناتون (الأسرة الثامنة عشرة)، ثم عاصمة طيبة خلال الفترة (1332 ق.م. 1279 ق.م.), الأسرتان الثامنة عشرة والتاسعة عشرة (قبل رمسيس الثاني). وحتى داخل السودان الحالي انتقلت عواصم الأسر الفرعونية بين كرمة وفرس ونبتا ومروي ....الخ. كتب هيرودت الإغريقي (أبو التاريخ) الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد وزار مصر واصفاً لون بشرة أهل مصر (بالسواد) وانهم قوم سود يعني كانوا أفريقيين سود... في ذلك الزمن البعيد مما يدل على نوبية الحضارة التي توجد في أرض مصر، فمصر كانت أرضا خالصة للنوبة قبل أن تطأها أقدام المستوطنين البيض الذين نراهم اليوم ويتآمروا على طرد النوبة جنوبا حيث يعيشون الآن في موطنهم السابق الذي انطلقوا منه سابقا وهم ينثرون الحضارة درراً لتزدان بها المتاحف الاوربية. فمثلما النيل ينساب من الجنوب شمالا ويغذي أرض مصر فكذلك كانت الحضارة النوبية تنساب من الجنوب نحو الشمال لتهب لمصر حياة ومعنىً جديده لم تكن تعهدها بعد أن كانت صحراء قاحلة من اطرافها إلا من شريط ضيق يشق عباب الصحراء، فهم الذين تتبعوا مسار النيل فمتى ما وجدوا متكئا استقروا فيه حتى وصلوا القاهرة فلولا وصول الاغريق واليونان لشواطئ البحر الابيض المتوسط لكانت الحضارة النوبية تمتد حتى الاسكندرية... ومع بداية الألفية الثالثة، بدأت الصحوة التاريخية تأخذ طريقها الى السودان بفضل الاكتشافات الأثرية التي تترا تباعاً هذه الأيام وبفضل جهود الأثريين الأوربيين ... فاذا كان مجرد انفجار أنبوب للمياه في السودان أصبح يسفر عن ما يزخر بها باطن الارض من كنوز اثرية كالذي حدث مؤخرا بمدينة الدامر فكيف إذا بدأت الحفريات الأثرية الجادة لمناطق الآثار في السودان وهي كثيرة... وقد أصبح من السهولة بمكان قياس عمر الصخور باستخدام الكربون-14 المشع وسيثبت مقبل الأيام أقدمية الحضارة في السودان عن تلك التي في مصر للدلالة على ولادة الحضارة في مصر من رحم الحضارة النوبية... وحينئذ سيتلاشى الوهم الذي روجوه عن الحضارة (الفرعونية) عبر عدة قرون في سلسلة من النظريات الكاذبة للي عنق الحقيقة... فإن كانت ثمة اختلاف بين الحضارة السودانية والمصرية لكان بالإمكان ملاحظة وجود تباين في الآثار التي تركوها من خلفهم... ولكن على العكس من ذلك فهنالك تشابه وتطابق لا تخطئه العين لدرجة التماثل للآثار والمنحوتات والأهرامات والمعابد على امتداد حوض النيل من البجراوية في شمال السودان حتى القاهرة... فكانت الآثار على الجانب السوداني أقدم من مثيلتها على الجانب المصري، لأنها انطلقت منه وتوغلت شمالا داخل الأراضي المصرية.... فوصلت الحضارة النوبية الى مصر عام 3000 قبل الميلاد تقريبا أي بعد ألفي عام بالتقريب (2000سنة) من ظهورها في كرمة حوالي 5000 قبل الميلاد... وهذا تطور طبيعي للحضارة النوبية التي ترسخت في السودان ثم اتجهت شمالا وهي تنمو وتزدهر... فقد تندر بعض المصريين من صغر حجم أهرامات السودان مقارنة بتلك التي توجد في مصر متجاهلين أن الأهرامات الصغيرة هي التي تفتقت عنها عبقرية الإنسان النوبي لبناء اهرامات القاهرة الكبيرة بعد عدة قرون من بنائها للأهرامات الصغيرة في السودان... وهذا يدل على نوبية الآثار بين شطري وادي النيل... فمن سُنن الكون أن أي شئ يبدو صغيرا ثم يكبر ويكبر حتى يصل الذروة...من الحيوان والنبات ومروراً بالحضارات وحتى القمر يبدأ هلالا ثم يصير بدرا ثم يضمحل وهكذا كانت الأهرامات في السودان بدأت صغيرة لأنهم كانوا قد انتقلوا لتوهم من النشاط الزراعي الرعوي الذي ألفوه الى مرحلة البناء والتصنيع... فكانت الأهرامات في مصر بحجم أكبر من مثيلاتها في السودان بعد اكتسابهم للخبرات المتراكمة عبر مئات السنين تتويجا لوصول الحضارة النوبية الى درجاتها القصوى من التطور والرُقي في أرض مصر... كما أن من الملاحظ أيضا وجود كثير من الأهرامات مبنية من الطوب اللبن في السودان لأن المدنية كانت لم تزل في طور التشكيل داخل السودان قبل التوجه صوب مصر... ومن خزعبلات المصريين أنهم قالوا بان احجار الأهرامات كانت تجلب من محاجر أسوان... فتخيلوا القطعة الواحدة من الحجر تزن حوالي (2) طن واكثر... فهل يعقل مثل هذا القول.... فهم يجهلون أن النوبة قد برعوا في صهر الحجر الرملي والطوب داخل أفران ذات درجة عالية من الحرارة كما صهروا الحديد والنحاس والذهب والفضة بجانب براعتهم في صنع الفخار... فهذه الحجارة ليست سوى حجر رملي ناعم مع الطين شُكلت في شكل قوالب فوق الهرم طبقة طبقة (مثل صناعة الطوب الأحمر واشعال النار من تحته) ولم تُجلب تلك الحجارة الضخمة من محاجر اسوان أو غيرها وعلى كلٍ فقد حسم القرآن هذه المسالة في قوله تعالى (فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي اطلع الى اله موسى) – والصرح هو البناء العالي وهذا ينطبق على الاهرامات والمسلات النوبية... فهذه الاهرامات العالية هي التي عناها القران في قوله تعالى (وفرعون ذي الاوتاد) فشبه الأهرامات بأوتاد الارض لكبرها كما قال تعالى (والجبال أوتادا) وهما يتشابهان في العلو.. وبعد هذه الدرجة من التطور وهجمة المتربصين من الإغريق والرومان والفرس وغيرهم ، كانت على شمس الحضارة النوبية أن تخبو بعد أن أخذ دورتها الطبيعة كاملة، تاركة وراءها إرثا ضخما من الكنوز والمعرفة التي ينعم المصريون بخيراتها ماديا ومعنويا حتى الآن يومنا هذا... [email protected]