من الظواهر المزعجة في حياتنا العامة التهيؤ لرفض كل ما هو مطروح، قد تعزى الحالة لعامل سياسي يجعل بعض المعارضين يظنون خطأ أن قبول مشروع تقدمه الحكومة، أو الإقرار بمزايا في طرح حكومي يعني تراجعاً في موقف المعارض المبدئي من النظام. وقد تعزى الحالة لتبرير يلجأ إليه المتقاعسون الذين يعتبرون أن تبخيس كل مشروع أو فكرة يصرف الانتباه عن تقصيرهم. قد تصاحب أي مشروع ثغرات أو هنات، و يمكن التنبيه على الأخطاء حتى يبدو المشروع في صورة أكمل، لكن لا يعقل أن يرفض مواطن أو سياسي بناء مستشفى، خاصة إذا سبقت بناءه أصوات عالية تشكو ضعف الرعاية الصحية، لكن لوحظ أن قرار وزارة الصحة في ولاية الخرطوم، بنقل الخدمات الصحية إلى المواطنين في مواقع سكنهم ببناء مستشفيات في أطراف المدينة، قد قوبل بحملة رافضة. قد تصحب الفكرة وتنفيذها ثغرات كما أسلفنا، لكن ليس ثمة شك في وجود مزايا كثيرة في قرب الخدمة الطبية من المواطن، فهل يعقل أن يصور قرار نقل الخدمات للأطراف وكأنه جريمة في حق المواطن؟ تتعدد أمثلة الشكوى من غياب التنمية أو الخدمات، فإذا ظهر مشروع يلبي النداء، رفض المشروع من أساسه. تضج وسائط الإعلام بالشكوى من إهمال الزراعة في بلد تتوفر فيه مقومات النهضة الزراعية، لكن ما إن زرع القطن المحور وراثياً حتى قوبل بحملة ضارية، وأصبح رفض القطن المحور شعاراً سياسياً يقول به، حتى، الذين لا يعرفون المعنى العلمي للعبارة. وحملة شعواء ضد السدود ولو أضاءت كهرباء السد ظلام القرى، وعرفت القرية بالكهرباء كل الأجهزة الكهربائية في بيت لم يكن يعرف إلا أجهزة بدائية. ولو سقى المزارع زرعه ب «طلمبات» كهربائية، بعد أن كان الزرع يموت من العطش والمزارع في انتظار طويل ل (تانكر) الجازولين الغالي الذي قد لا يأتي بسبب شح المواد البترولية لكانت هناك شكوى. وبالقرب من قرى بائسة كثيرة تمتد الأرض وترقد لقرون، بكراً تشكو العنوسة الاستثمارية، وتتمنى يوم أن تزف إلى مستثمر يخرج من جوفها خيراً كثيراً؛ فإذا ما سمع أهل القرية أن مستثمراً سوف يزرع مئات الأفدنة التي تشكو الإهمال، أو سوف يقيم مصنعاً، جر كل فارس في القرية عكازه وأعلن استعداده لمواجهة المستثمر، ولو سالت الدماء، حماية لأرض الأجداد. ويدبج بعض أهل السياسة بيانات نارية يشيدون بهبة الفرسان الأشاوس الذين أحبطوا مشروع الرأسمالية الطفيلية ومؤامرة محو المعالم التاريخية للمنطقة.; العرب