معايير جمال المرأة عند العرب قديماً، تختلف عما عند غيرهم من الشعوب، وقد قام الشعراء العرب وخاصةً شعراء الغزل بوصف وذكر هذه المعايير في كثير من أشعارهم، منها قول امرؤ القيس في معلقته: مهفهفة بيضاء غير مفاضة ** ترائبها مصقولة كالسجنجل. وصف الشاعر المرأة الجميلة بكونها المرأة نحيلة الخصر، وغير مترهلة البطن، وذات الصدر البرّاق كاللؤلؤ، أمّا عيونها فمشابهة لعيون المها، مع اعتدال قامتها ومشيتها. ومن ذلك قول كعب بن زهير في قصيدته البردة: هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة ** لا يشتكي قصر منها ولا طول. وصف الشاعر المرأة الجميلة هنا بكونها المرأة معتدلة الطول البعيدة عن القصر المفرط أو الطول المفرط، كما وصفها بأنها ضامرة البطن عريضة الأرداف. كما ساهم الشعراء العرب قديماً في وضع عدد من معايير الجمال لدى المرأة العربيّة، ومنها الشعر الأسود الناعم، والجسم الممتلئ باللحم، والوجه الأبيض، والعيون شديدة السواد مع شدة البياض، والفم الصغير، والأنف الدقيق. وكانوا يصفون المرأة الجميلة بأنها بيضاء البشرة، نقية الخد، مشربة اللون بحمرة، ولعل هذه النظرة دفعت النساء عبر العصور للبحث عن وسائل تجعلهن مشرقات وذوات بشرة بيضاء، لذا لم تأل المرأة جهداً في تجربة كل شيء وأي شيء ليصبح جسدها ذا لون فاتح. كما ترسخ في أذهان الكثيرات منهن - خاصة الإفريقيات – المقولة التي تقول: "اللون الأبيض مفتاح لكل ما هو جيد"، وهو اعتقاد عزّزه المستعمر، وأسهم في زعزعة ثقة الملايين من النساء السمراوات بأنفسهن، وجعل صاحبات البشرة الفاتحة أكثر طلباً بين الرجال، وهذا ما نراه اليوم من هوس البحث عن مستلزمات تفتيح البشرة في البلاد ذات البشرة السمراء، حيث انتشرت في الآونة الأخيرة حقن تساعد ليس على تفتيح البشرة فحسب بل على تغيير لون البشرة جذرياً ، وهي حقنة تبيض الجلد، تعرف في أوساط العامة في السودان (مجازاً) باسم (كلنا عرب) تعطي المرأة لوناً مزيفاً، بعيداً عن الحقيقة والواقع. ولا شك أن هذا نوع من أنوع الخداع، ولم يقتصر الخداع اليوم في الأخلاق، والسلوك والتصرفات، إنما صار خداعاً في الشكل والمظهر، فبات الجمال يباع بالأقساط المريحة في الأسواق، فكل فتاة قادرة على أن تكون جميلة في عيون الآخرين . كما أن الحصول على البشرة البيضاء أصبح هاجساً بالنسبة للنساء اللواتي يغلب عيهن لون السمرة - بسبب العرق الإفريقي، وحرارة الطقس -، حيث تحاول غالبية النساء التخلص من اسمرارهن على حساب صحتهن في كثير من الأحيان، بإتباع نظام غذائي خاص والامتناع عن الخروج نهاراً لتجنب الشمس الحارقة واستعمال مواد ووصفات طبية، جرياً وراء مقياس وهمية للجمال. وانتشرت في السودان محلات صغيرة تعرف شعبياً باسم «قدر ظروفك» تباع فيها الكريمات بالملعقة، وخطورة هذا الأمر تكمن في عدم معرفة انتهاء صلاحية الكريم، أو الشركات المنتجة! وأصبحت هذه الظاهرة تثير الشفقة والسخرية، حيث تجد لون وجه المرأة أو الفتاة يختلف في الغالب عن لون الأيدي والرجلين. وعند قراءة الأدب السوداني خاصة الشعر الغنائي منه يغلب فيه حب السمرة والاحتفاء به، وأخال أن كتاب الشعر الغنائي في السودان كأنهم تنبهوا لتلك النزعة منذ وقت مبكر فكتبوا عدة أغنيات في بجمال المرأة السمراء، ربما كانت محاولة منهم لإكساب المرأة السودانية الثقة بنفسها، حيث انتشرت العديد من الأغنيات التي تروج لذلك، سمعناها في الصغر ولاتزال عالقة في الأذهان، منها: (اسمر جميل عاجبني لونه) (أسمر جميل فتان) (اللون الأسمر ذوبت شبابي) .. إلى غير ذلك، ويندر أن تجد شعراً غنائياً يتغزل في المرأة البيضاء. فهل كان لذلك جدوى؟! طبتم وطابت أوقاتكم. [email protected]