:: تصريح وتقرير نشرتهما (الشرق الأوسط)، نقلا عن الدكتور مدثر عبد الغني وزير الإستثمار، وفيهما معلومات وأرقام (كثيرة ومُهمة)، وكلها تُشير إلى أن الشفافية التي كانت مفقودة في قطاع الإستثمار قد عادت .. وعلى سبيل المثال، للمرة الثانية على التوالي تتصدر السعودية قائمة الدول العربية التي تستثمر في السودان، وذلك بحجم إستثمارات مقدار (26 مليار دولار)..وتصدرت استثمارات دول الخليج العربي قائمة المشروعات بنسبة (80%)، ثم تلتها إستثمارات الدول الأسوية بنسبة (13%)، ثم الدول الأوروبية بنسبة (5%)، وأمريكا وكندا (1%)، وكذلك الدول الإفريقية (1%) .. !! :: تلك النسب تكشف تأثير الحصار على شركات الغرب، ولكن ليس بالحصار وحده تأثرت شركات الغرب و شركات الدول العربية غير الخليجية والدول الإفريقية والأسيوية.. هناك أسباب أخرى حالت دون تقدم الدول غير الخليجية في قائمة الدول الأكثر إستثماراً، ومنها أزمة المؤسسية التي تشرف على الإستثمار بالمهنية المطلوبة، بحيث تتساوى كل الإستثمارات الأجنبية في (الرعاية والحماية).. فالرعاية والحماية التي تحظى بها الإستثمار الخليجي على مستوى السلطات العليا ( ممتازة جداً)، و لكن يجب تلكما الرعاية والحماية على مؤسسات الدولة بحيث تحظى بها كل الإستثمارات ( الأجنبية والوطنية )..!! :: فالأمر الطبيعي - حين تسير الأمور على سجيتها - هو أن يأتي المستثمر إلى البلاد، ثم يعرض مشروعه على أجهزة الدولة ذات الصلة بالإستثمار بأي ولاية، وليس بالضرورة أن يحتمي بالوالي أوالوزير أوالرئيس..فالحال يعكس مشاهد غريبة، منها لو أن مستثمر قرر زراعة (فدان برسيم)، فهو يبدأ رحلة استثماره بوزيرين ثم بوالين أو ثلاثة، ثم تشاهده - في نشرة عشرة - مع الرئيس أو النائب .. إدارة الدولة تختلف عن إدارة (القبيلة).. فالدولة حزمة أجهزة وقوانين ولوائح تحمي وترعى وتنظم (الجميع).. وهذه هي المسماة - في بلاد الآخرين - بالمؤسسية.. وبقوة المؤسسية - وليست بقوة زيد أو صحبة عبيد - تمضي حياة الشعوب الناهضة وإستثماراتها بسلاسة ..!! :: مع الشفافية مطلوب مؤسسية تجذب المستثمرين من أرجاء العالم، وليس الخليج فقط .. فالمناخ حاليا كما مناخ ما بعد نيفاشا والذي شهد أكبر توافد للمستثمرين في تاريخ بلادنا، ولكن للأسف (شردتهم الفوضى )..ولكي لا نعيد سيناريو التشريد، فالمطلوب إخراج الإستثمار من عوالم العلاقات الخاصة إلى دنيا المؤسسية التي تحمي وترعى كل المستثمرين .وعلى سبيل المثال، حين شرعت إثيوبيا في فتح أبواب الإستثمار، فعقدوا العزم على مكافحة الفساد (أولاً)، ونجحوا في المكافحة بجهاز مركزي سلطة أفراد شرطته أقوى من سلطة رئيس وزراء أثيوبيا..ثم أعدوا خرائط الإستثمار ودراسات جدوى المشاريع..وبعد ذلك، أعدوا قانون الاستثمار الجاذب، فانهمرت رؤوس الأموال .. واليوم، حسب التقارير الدولية، لاتزال أثيوبيا هي الأوفر حظاً في جذب المستثمرين، والأسرع سيراً في درب مكافحة الفساد..وتم كل هذا بقوة المؤسسية وليس ب (قوة زيد وصداقة عبيد)..!! :: وعليه، فالطريق إلى المؤسسية تمر بمحطات .. هناك شئ في كل دول الدنيا، ما عدا السودان طبعاً، اسمه (الخارطة الإستثمارية)..فالسلطات المركزية المسؤولة عن الإستثمار وهي الوزارات الإقتصادية، بالتنسيق مع الولايات والمحليات والكهرباء والمياه، هي التي تعد وتطبع وتوزع وتنشر الخارطة الإستثمارية.. ولا يتم هذا بعد إجراء الدراسات العميقة على التربة والمناخ وكل عوامل الطبيعة، هنا يصلح الزرع وهنا هنا تصلح الصناعة وهنا تصلح السياحة، ثم بعد مدها بشبكات المياه والكهرباء والطرق .. أو هكذا الخارطة الإستثمارية بحيث تكون الأرض جاهزة للإستثمار الزراعي أو الصناعي ..!! :: ولكن بالسودان، حيث موطن عجائب الأشياء وغرائبها، وما لم تكن محمياً بقوة زيد أو صحبة عبيد، فالخارطة الإستثمارية هي أن تصدق السلطة المركزية لرجال الأعمال بقطع أراضي باحدى فيافي البلد بغرض الزرع أو إنشاء مدن الأحلام وقلب العالم، ثم تطاردهم السلطات الولائية والمحلية والأهالي بالحاكم - في مرحلة التنفيذ - حتى يهربوا بجلودهم..هذا أو يتفاجأ المستثمر برفض السلطات مده بالكهرباء والمياه لأنه يزرع برسيماً و ليس قمحاً..فالخارطة الإستثمارية الجاهزة - بدراساتها وبنيتها التحتية وخدماتها- هي التي تٌلزم المستثمر بنوع الزراعة والصناعة.. الخارطة الجاهزة، وليس مزاج المستثمر ..!! :: ثم هناك شئ اسمه (النافذة الواحدة)، وهي أفضل وأحدث النُظم المتبعة (عالمياً)...والهدف من نظام النافذة الواحدة هو إختصار الوقت والجهد وتسهيل الإجراءت لرجال المال والأعمال ..وكما تعلمون، أغلى ما لرجال المال و الأعمال هي ليست فقط أموالهم، بل أوقاتهم أيضاً..ونظام النافذة الواحدة لتوفير أوقاتهم (الغالية جداً).. ولكن بالسودان، حيث موطن غرائب الأشياء، فالنافذة الواحدة تعني أن يأتي المستثمر – غير المحمي بقوة زيد أو صحبة عبيد - إلى بلادنا في شهر يناير على سبيل المثال، ثم يغادر البلاد في شهر يناير التالي بأمل العودة وإكمال إجراءات استلام تصاديق مشروعه الإستثماري في شهر ( يناير الثالث).. وهكذا.. وعلى كل، يجب ترسيخ المؤسسية التي تحمي وترعى والإستثمارات الأجنبية والوطنية بمنتهى العدل والمساواة ، وليست من الحكمة إهدار الفرصة الأخرى بترسيخ نهج (قوة زيد وصداقة عبيد)، ..!! [email protected]