٭ من المشاهد التي علقت بذاكرتي قبل سنوات عديدة، والتي لم تتمكن سلطة النسيان من إزالتها، هي رؤيتي وأنا في مرحلة الصبا لمجموعة من العساكر وهم يقتادون من داخل مدرستنا أستاذي الشاعر الكبير محمد عثمان كجراي مكبلاً بالسلاسل، ظلت هذه الصورة ملتصقة بذهني لا تزول، لم أعلم حينها أن أستاذي في اللغة العربية كان شاعراً وثائراً يقود فصيلة من المناضلين ضد استعمار بغيض في تلك الأيام. ٭ كثيرون لا يعلمون أن الفنان أحمد الجابري تعرض إلى حالة من الذهول بعد رحيل والدته مباشرة، كما أنه ظل في هذه الحالة من التوهان إلى أن لحق بها بعد فترة طويلة، ذكرني هذا المثال الحي لمحبة الأم أحد الأصدقاء المقيمين في دولة الإمارات، مرضت والدته فقام بإحضارها من قريته الصغيرة في الشمال ليؤمن لها علاجاً في إحدى المستشفيات المتخصصة في دولة الإمارات، وحين لاحظ أن زوجته البرجوازية الأصل، أخذت تطالبه أن يستأجر لوالدته مكاناً آخر غير المنزل، ذات يوم ادعى أمامها أن والدها تعرض إلى حادث، فسافرت إلى السودان، لم تكن تعلم أن ورقة الطلاق كانت تنتظرها هناك. ٭ في إحدى رحلاته المتكررة للصيد في منطقة (اويتلا) المعروفة لدى أهل كسلا بكثرة الغزلان فيها، وجه الشاعر الكبير محمد عثمان جرتلي بندقيته إلى غزالة كانت تمشي الهوينى على الحشائش الخضراء، فأخذت تتخبط على الأرض أمامنا، الغريب في الأمر أن عيونها السوداء كانت تذرف دموعاً متواصلة، فسأل الدكتور جرتلي هدندوياً عجوزاً كان يمر بالقرب منا عن حقيقة الأمر؟ فأكد له الهدندوي أنها غزالة حبلى لا تبكي على نفسها، إنما تبكي على موت جنين في أحشائها، من يومها كسر (جرتلي) بندقيته، ولم يخرج من بعدها في رحلة صيد. ٭ قام الشاعر المعروف حسين عثمان منصور باتهام الشاعر حسين بازرعة بأنه قام بسرقة فكرة أغنية (ليالي القمر) من شاعر لبناني، وكعادته دائماً لم يرد عليه قيصر الأغنية السودانية بكلمة، بل أكد لأصدقائه أن الأيام كفيلة بالرد على من ظلمه، وقد تم ذلك بالفعل، حيث أكدت الأيام أن بازرعة كتب أغنية (ليالي القمر) قبل أن يكتبها الشاعر اللبنانى بسنوات، وجد الشاعر حسين عثمان منصور نفسه مطالباً بالاعتذار بعد أن تبين له الحق في أنه كان ظالماً لبازرعة، إلا أن القيصر رفض أن يتقبل منه اعتذاراً، ذات مساء تعرض حسين عثمان منصور إلى وعكة مرضية دخل بسببها المستشفى، إلا أنه لم يصدق عينيه وهو يرى القيصر أمامه جاء ليطمئن على صحته، وبعد خروجه أخذ يقول لكل من يقابله لم يكن شفائي من أدوية تناولتها، ولكن شفائي كان بزيارة أكرمنى بها أجمل الشعراء حسين بازرعة. ٭ جاءني الفنان الراحل أحمد المصطفى ليشاركني فرحتي بزواجي من أم المعتز، المدهش في الأمر أنه فعل ذلك بالرغم من أنني لم أوجه له الدعوة.. وقد كان ذلك يعود إلى أنني كنت أشعر أنه أكبر من أن يتقاسم الفرحة مع شاعر لم يزل في بداية الطريق، إلا أنني علمت مع مرور الأيام أن أحمد المصطفى ما ارتحل فنان إلا وكان من أوائل المعزين، وما تزوج فنان إلا وكان من أوائل المهنئين، كان فناناً من عصر آخر. ٭ هدية البستان: ما قدرت العمر كلو بالغلط أغلط عليك وإنتي عمري كلو ظالمة والدليل غفراني ليك عارفو قلبك ما معايا وبرضي شاغل قلبي بيك اخر لحظة