خمسة من الشباب في مقتبل العمر في ضاحية الجريف غرب العاصمية اختفوا واحداً تلو الآخر، العام الماضي، في ظروف غامضة، وبعد أن اشتد الخصام بينهم وبين ذلك (الداعية)، في مسجد الحي، ووصل بهم الأمر إلى مقاطعة مسجده وصلواته في العلن، والمجاهرة بعداوته على نحو (مريب) اختفوا جميعهم، قبل أن تتوالى أخبار وصولهم لليبيا، وانضمامهم لتنظيم داعش، وبعد ذلك بأسابيع قليلة ظلت أخبار مقتلهم تترى كذلك الواحد تلو الآخر، في تلك الحروب أحادية الجانب بين التطرف والمجتمع، وفي النهاية لم يبق منهم سوى إثنين، انقطعت أخبارهم، ولم يعد أحد يعرف إن كانوا ما يزالون أحياء بيننا، أم أنهم انتقلوا إلى جوار رب رحيم، دون أن يعلم أحد من أمرهم شيئاً في تلك الفلوات الموحشة، بعيداً عن الديار. وقبل سنوات وفي العام 2010 تم الإعلان عن هروب قتلة الدبلوماسي الأمريكي جون غرانفيلد من سجنهم في ظروف (غامضة)، وعلى الرغم من أنباء تتالت بعد ذلك عن ظهورهم في واحدة من ولايات دارفور، إلا أنه لم يحدث بعد ذلك شئ، لتصير القصة طي النسيان بعد زمن غير طويل. وفي أيامنا هذه لا يزال خطيب المسجد (الداعشي) يجاهر بمناصرته لداعش وانتمائه لها هو وعصبته من على المنبر، وعلى صفحات الصحف، دون أن تعير السلطات المختصة خاطرة التفاتة لما يقول به من تحريض مخيف. ومؤخراً صار هناك حديث عن أن التطرف حالة فكرية يفترض أن تقارع بالحجة وليس بالسجون أو السلاح في مسعى لتطبيع التطرف من جانب لخدمة أغراض معينة ونبذه في حالات أخرى كيفما اقتضى الحال والظرف. وغني عن القول أن إن ما يؤدي إليه التحريض من جرائم بشعة، لا بد أن يصنف كجريمة مكتملة الأركان، وأن يلقى مرتكبها الجزاء العادل لما يتفوه به من كلمات قاتلة تسري كالنار في هشيم الأفئدة والعقول المغرر بها، لتؤدي مباشرة إلى قتل الرجال والنساء والأطفال بلا تمييز، ودون أن يكون في ذلك بأس باعتبار القاعدة الفقهية الداعشية، أن لا بأس في سقوط بعض الأبرياء من المجتمع (الكافر) بنظرهم، من أجل غاية عليا هي نصرة الدين. إن التحريض على القتل لا يدخل في باب السجال الفكري، وهو من أجبن الجرائم، لأن المحرض عاجز حتى عن أن يرتكب جريمته بنفسه، فهو يستعين بالقصر أو بمن هم في مرحلة التحول من الطفولة للرشد في ارتكابها، والإشارة للتطرف باعتباره حالة فكرية هو تبسيط مخل، ومجافي للحقيقة والواقع، حينما يفرض صاحب هذه الفكرة فكرته بالغدر والإغتيال، ودس المتفجرات في المدن والأسواق، وتسليم فلذات الأكباد لذلك الموت الزؤام، طمعاً في جنة لا تراهم يسارعون إليها بأنفسهم، ولا بأبنائهم المقربين. وليس هناك تعريف أدق من اعتبار التحريض الداعشي جريمة تستدعي إجراءات إستباقية واستثنائية تأتي فيها حقوق المحرض في المرتبة الثانية بعد سلامة أفراد المجتمع ولا أقل من ذلك. صحيفة الأيام [email protected]