احدثت سلطة الانقاذ وبالتنسيق مع المجموعات العربية والتى اُستجلبت معظمها من دول الجوار لغرض تجيشهم لمحاربة "التمرد" فى دارفور مقابل استيطانهم لاحقا باراضى القبائل " الأصلية" ، والمتهمة اصلا بمساندة التمرد من قبل هذه السلطة . احدثت هذه السلطة وبالتدريج تغييرا ديمغرافيا واسعا - وحسب الموعود - ط فى كل من ولايتى غرب ووسط دارفور ، خلال السنوات الماضية بلا ضجيج او ضوضاء يُذكر ، والحال هناك الان محكوم بالأمر الواقع وهو نزوح اغلب السكان المحليون الى مخيمات النزوح واللجوء ، ومن تبقى منهم اصبحوا هُم الأِّذلة فى ارضهم ، يأتمرون باوامر المستقدمين الجدد ويعملون اما بالمشاركة او كعمالة على مزارعهم الخاصة لحساب المستقدمين الجدد ، ويا له من مصير بائس ، ويا لها من مذلة و مأساة قوم ! اكثر المناطق المرغوبة للاستيطان لهذه المجموعات تاريخيا - ولا زالت - هى مناطق شمال دارفور الممتدة من شمال كُتُم وحتى وادى هور والحدود الليبية والتشادية والمعروفة تاريخيا ب (دار زغاوة )، وذلك بحكم طبيعتها الرعوية الصالحة لتربية الإبل والضأن ، ومهنة الرعى كما هى معروف يشترك فيها معظم سكان هذه الديار مع المجموعات المستجلبة للاستيطان فى دارفور وخاصة رعى الإبل ، ولكن ينهض هنا تساؤل مُلِحْ وهو لماذا تأخر الاستيطان بمناطق دار زغاوة من قبل هذه المجموعات من دون الًمناطق الاخرى المذكورة والتى تمت السيطرة عليها ومصادرتها منذ سنوات خلت ، مع ان دار زغاوة هى اكثر المناطق تضررا من الحرب ، تدميرا للبنيات التحتية وتهجيرا للسكان ؟ الاجابة تكمن فى أمرين أساسيين : الامر الاول : وهو ان هذه المجموعات المستجلبة لها اطماع واحلام قديمة غير محققة للاستيلاء على هذه المناطق ، ولها تجارب ُمرَّة جراء فشلها السابق من الاستيلاء على دار زغاوة او اجزاء منها على الاقل . جرت محاولتين للاستيلاء على هذه المناطق فى فترات مختلفة باءتا بالفشل . أولى هذه المحاولات كانت ما عُِرف بحرب " رهد الجنيق " والتى دارت بين قبيلة الزغاوة والمجموعات العربية بزعامة عشيرة المهرية وذلك فى أواسط الستينات من القرن الماضى ، وكان الغرض هو الاستيلاء على منطقة شمالى كتم من قبل المجموعات العربية ، حتى تكون مرتعا دائما لإبلهم ، الا ان المحاولة قد فشلت لاستبسال قبيلة الزغاوة بالدفاع عن ارضهم وحاكورتهم . المحاولة الثانية للاستيلاء على المنطقة كانت بسند ومحاباة من سلطات الانقاذ الحالية ، وذلك بترتيب مؤتمر من المجموعات العربية فى نفس المنطقة " رهد الجنيق " لاعلان تبعية المنطقة لهم بنهاية المؤتمر ، وذلك بالتنسيق مع نائب رئيس الجمهورية فى حينها وراعى المؤتمر ، وهو الزبير محمد صالح وذلك فى التسعينات من القرن الماضى ، الا ان ذلك المؤتمر قد فشل ايضا نتيجة لصحوة الزغاوة واكتشافهم مبكرا بما أسموه بتآمر بين المجموعة العربية وحكم الانقاذ ممثلا فى نائب رئيس الجمهورية انذاك ، وسعوا الى إجهاضها بنجاح من داخل المؤتمر . الامر الآخر لفشل المجموعات العربية للسيطرة على دار زغاوة يرجع الى ان هذه المجموعات وحسب تجاربهم السابقة مع الزغاوة ، ان هذه المنطقة عصية على الاحتلال لصمود اَهلها وارتباطهم بهذه الارض الغالية لديهم ، وبالتالى هذه المجموعات لا يريدون تكرار تجربة فاشلة كالتجارب السابقة ، وان الامر يحتاج الى إعداد جيد عدةً وعتاداً ، وهذا ما سعوا لها مبكرا فور اندلاع حرب دارفور ، وبعد دخولهم فى تحالف مع الحكومة لمحاربة التمرد . قبل حوالى اكثر من الشهر من هذا التاريخ ، لاحظ السكان فى شمال دارفور وخاصة بالمنطقة الشرقية من دار زغاوة ان هنالك فرقا محروسة بسيارات مسلحة من الدعم السريع تتجول بالمنطقة لحفر آبار جوفية ، وعند سؤالهم من قبل المواطنين ، لم يدلوا باى إفادات مقنعة وقد اثار ذلك فضول ومخاوف اهالى المنطقة ، من ان هذه الأنشطة لها علاقة بمشاريع الاستيطان التى يتناقل الناس عن أخبارها منذ فترة ، وانتشر الخبر بسرعة فى مواقع التواصل الاجتماعى . وبتاريخ 21 مارس 2017 أصدرت مجموعة سمت نفسها ب ( أبناء الرزيقات الشمالية ) بيانا توضيحيا لتلك الأنشطة التى تخوف منها اهالى المنطقة الشرقية من دار زغاوة ، ويبدو ان البيان كان ردا للأخبار التى انتشرت فى المواقع الاسفيرية عن نوايا الاستيطان والتمهيد لها بحفر الآبار فى المنطقة من قبل أطواف محروسة بمليشيا الدعم السريع . فحوى البيان ان المنطقة التى تقع شمال كتم تتبع لهم ، وتمتد حدودها شمالا حتى الحدود الليبية ، ومن الناحية الشرقية تحدها وادى مجرور الذى يفصله من ديار الميدوب ، ويفصلها من الناحية الغربية امبرو حيث دار زغاوة . رغم ان البيان لم يصدر من جهة مسئولة ومعروفة ، الا انه قد استقطع كل الجزء الشرقى من حاكورة الزغاوة واتبعته لما اسموه برزيقات الشمال . ولكن المفاجأة الكبرى هى ما ظهرت بعد هذا البيان بفترة فى فيديو مصور بالصوت والصورة عما يبدو انه كان اجتماع شعبى ضم رزيقات الجنوب برزيقات الشمال ، وقد ظهر احد الشيوخ من رزيقات الشمال يتحدث بنبرة عاطفية ويقول انهم كرزيقات الشمال يعتبرون كيانهم ككفة الميزان ، لا يتزن الميزان بشمال دارفور من غيرهم ، ونفس الشئ ينسحب على رزيقات الجنوب لا يستقيم الميزان او يتزن من غيرهم ، وقد طلب الخطيب من اهله رزيقات الجنوب لمساندتهم للعودة والاستقرار بمناطقهم بشمال دارفور ، وقد حدد مناطقهم بشمال دارفور ، شمالا بالصحراء والحدود الليبية وغربا حتى حدود تشاد ، وطبعا الاشارة هنا واضحة انه: لا وجود بعد اليوم بما يسمى بدار زغاوة ! اذن ما موقف الزغاوة من هذه الهجمة المتوقعة لديارهم لغرض مسحها من الخارطة واحلالهم بعرب رزيقات الشمال ؟ فى الحلقة القادمة نورد استطلاعات مختارة لبعض رموز قبائل الزغاوة فيما يخص المحاولات الجارية لمصادرة ارضهم من قبل المجموعات العربية المسنودة بحكم الانقاذ موسى يعقوب جارالنبى الثلاثاء 2 مايو 2017 م [email protected]