كنت.. ولا زلت.. من أشد الناقدين للترهل الحكومي.. غير أن الأمانة تقتضي الاعتراف بأمرين.. الأول أن استيعاب كل المجموعات الجديدة القادمة إلى السلطة في ذات مواعين الحكومة السابقة دون اللجوء إلى افتراع حقائب وزارية جديدة.. يعني أن الحزب الحاكم قد قدم تنازلات حقيقية.. هي التي مكنت من استيعاب كل أولئك القادمين.. كانت قناعة الكثيرين أن من الاستحالة استيعاب كل أولئك في ذات الحقائب.. حتى أن بعض الساسة والكتاب على حدٍ سواء.. راحوا يستعرضون الوزارات التي يمكن (تفكيكها) لقيام وزارات جديدة.. الشيء الذي لم يحدث.. ولعل هذا يعتبر النجاح الأول للسيد رئيس الوزراء.. الأمر الثاني الذي يستوجب الاعتراف.. بل والوقوف عنده مطولا.. هو موضوع الترهل الحكومي نفسه.. ومسؤولية الحزب الحاكم في ذلك.. فالأمانة أيضا تقتضي اليوم.. أن ننظر للأمر من زاوية أخرى.. قلت من قبل واقول الآن.. صحيح أن الذين احتشدوا في قاعات الحوار الوطني.. ظلوا يتشدقون لأشهر طويلة بضرورة خفض الإنفاق الحكومي.. ويتحدثون عن الدولة الرشيقة.. ولكن.. الصحيح أيضا.. أن كل من نادى بخفض الإنفاق العام.. كان تصوره أن يبدأ هذا الخفض بعد أن يستحوذ هو على حصته الشخصية.. أي أن أيا من أولئك المحتشدين والمنادين بخفض الإنفاق الحكومي لم يفترض أن هذا الخفض يقتضي أن يتنازل هو وآخرون من دونه عن حصصهم الخاصة.. في سبيل تكريس المبدأ العام..! ولعله.. ولسبب من هذا.. وفي أكثر من مناسبة كنت أقول إن واحدة من أكبر مثالب ذلك الحوار الوطني.. أنه لم يحدد.. بل لم يناقش أصلا.. كيف تتشكل الحكومة التي ستنفذ مخرجات ذلك الحوار.. وبما يحقق أهم توصياته وهي.. خفض الإنفاق الحكومي.. وإصلاح الدولة.. بل وعوضا عن ذلك راج وعلى نطاق واسع فهم عام.. أن كل من شارك في الحوار الوطني بات من حقه أن يحصل على مقعد في حكومة ما بعد الحوار.. وهكذا.. وبدلا من أن يؤسس الحوار لفهم جديد.. لجهة تعزيز قيم التضحية والإيثار.. والاهتمام بالبحث في.. كيف يحكم السودان؟.. كرس في المقابل.. للتنازع القديم المتجدد.. من يحكم السودان؟.. فكان طبيعيا أن يعلن السيد رئيس الوزراء في مؤتمره الصحفي أنه تلقى أكثر من الف وخمسمائة مرشح لشغل مناصب دستورية.. بل هذا الفهم هو الذي دفع البعض للتدافع.. نحو التوقيع في المسافة الزمنية الفاصلة بين إجازة التوصيات وتشكيل الحكومة.. أمثال حزب الإصلاح الآن والليبرالي الديمقراطي ومنبر السلام.. فهؤلاء لم يكتشفوا فجأة أن حل مشاكل السودان في مخرجات الحوار.. بل قرروا الاستثمار في المفهوم الرائج ذاك.. أن الحوار طريق السلطة.. تماما مثل مجموعة حاتم السر..! وعلى ذكر الأستاذ حاتم السر فمن الظلم الحديث الآن عن حكومة المؤتمر الوطني.. أو تحميل الوطني أية إخفاقات ترتبت على النهج الذي سار عليه الحوار.. ولا حتى خطأ النهج نفسه.. فكل من تهافتوا على المقاعد شركاء في تكريس المنهج.. وعنّ لي أن أسميها حكومة التجمع الوطني الديمقراطي .. بعد أن انتبهت أن بين صفوفها.. السيد محمد عثمان الميرغني رئيس التجمع الوطني الديمقراطي.. والسيد مبارك الفاضل المهدي الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي.. والسيد حاتم السر الناطق الرسمي باسم التجمع الوطني الديمقراطي.. وهذا التجمع الوطني الديمقراطي.. كان هو الحشد الأكبر ورأس الرمح في معارضة نظام الإنقاذ في نسخته الأولى.. ونسبيا في نسخته الثانية.. ثم شريكا في الإنقاذ الثالثة.. على رأي الفريق طه عثمان أو.. المافي منو.. على رأي الكاردينال.. بتصرف..! اليوم التالي