كان محمد أحمد مثل النحلة يتنقل من مناسبة إلى أخرى، فأنت تجده يرفع الفاتحة في أي مأتم في المدينة، ويعزيه الناس بحسبانه ابن أو شقيق أو ابن عم المتوفى أو المتوفية. كان محمد أحمد يشرف على إعداد الشاي والإفطار والغداء والعشاء، ويتحرك بخفة وينادي وينهر ويزجر ويقوم بأي شيء. أما في مناسبات الأعراس فهو وزير العريس دائماً؛ فهو يتفق مع المأذون ويحدد الجامع الذي سيقام فيه عقد القران، وهو الذي يشرف على تقديم الحلوى والتمر والفشار فيجعل حاملي هذه الأشياء يتحركون بإشارة منه. محمد أحمد هو الوزير الدائم لكل عريس بالمدينة، فتجده يختار أجمل (البدل) والقمصان، والكرفتات، والأحذية والجوارب، وأحياناً حينما تراه هكذا تحسب أنه هو العريس، ولم يتبق له شيء إلى أن يذهب للكوافير أيضاً؛ هذا الأمر الوحيد الذي منع نفسه منه خوفاً من لومة اللائمين إلا أنه في قرارة نفسه كان مقتنعاً بإمكانية ذلك. أصدقاؤه قالوا له (العب غيرها). الخبثاء من أصدقائه اقترحوا عليه أن يطلب مقابلاً مادياً نظير هذه الخدمات التي يقوم بها، وزينوا له الأمر، واختاروا فيما بينهم مديراً لأعماله بحيث يقوم بالتعاقد مع طالبي الخدمة. محمد أحمد الحكاية ما فارقه معاه وافق على طول. افتتح محمد أحمد مكتبه تحت مسمى (تحت الخدمة) وبدأ التعاقد، الروضة الفلانية لديها تخريج، الوزارة العلانية لديها مؤتمر، هذا فضلاً عن الأنشطة والفعاليات الرياضية والدوريات الكروية. وقد توسعت خدمات مكتب (تحت الخدمة) فافتتح فروعاً في الأقاليم وتم توظيف أعداد كبيرة من الخريجين الذين تكدست بهم البلاد، وتعب من مصروفاتهم العباد. التحق محمد أحمد بالحوار الوطني كشخصية قومية ورجل أعمال لا يشق له غبار. محمد أحمد قام بممارسة نفس أدواره تلك، فكان نشيطاً، يتنقل بخفة وحنكة لا تخطئها عين. وكما قالوا كانت له آراء سديدة في موضوعات عديدة فحاز إعجاب الجماعة الأكيدة. وحينما تم اختياره في الوزارة الجديدة لم يسألوا عن أصله وفصله أو حزبه (فالكاش يغني عن النقاش) فقد كان كريماً جداً. اختير محمد أحمد في الوزارة المناسبة له تماماً؛ وزارة المراسم والتشريفات، وهي وزارة مستحدثة وغير مسبوقة. وحينما ضجت الأسافير بأن محمد أحمد لا يملك أي نوع من الشهادات (يعني عنقالي ساكت) انبرت الأقلام التي كان يزودها بتلك الظروف الوردية بالدفاع عنه، وتحدثوا عن إنجازاته وأعماله وأفضاله على مجتمع المدينة، حتى أن بعضهم أبرز شهادة بكالوريوس، وآخر شهادة دكتوراة (اتضح أنها شهادة دكتوراة فخرية) لا يهم فهي دكتوراة والسلام؛ فكثيرون حملوا تلك الدكتوراة الفخرية ولم يشار إلى أنها فخرية أو خلافه، حتى أنهم تجرأوا وقالوا (إن هذه الوزارة يمكن أن يقوم بها أي سفرجي في فندق راقي) .. هزُلت الوزارات .. محمد أحمد لم يعبئ بما جاء في الأسافير، وما اختزنته الأضابير، وقام بتوزيع رقاع الدعوة لحضور أداء القسم لكل معارفه، وشيخ قبيلته، مبتدعاً بذلك بدعة جديدة. تهندم محمد أحمد بالبدلة (الما خمج)، واصطف مهذباً وراقياً في ذاك الصف الطويل المتعرج، وكعادته في إشاعة البهجة والفرح لم يتمالك نفسه من إطلاق النكات والتعليقات اللاذعة، وقال فيما قال: (والله طابور الطابونة أحسن من طابوركم ده)، لكنه لم يهنأ كثيراً بذلك، فقد أخذوه على جنب ووجهوا له قولاً غليظاً وتوعدوه بالسحب من أداء القسم، كما سحبوا ذلك الوزير صاحب الشهادات المضروبة، فكان لسان حاله كان يقول (أنا أصلاً ما عندي شهادات) .. (فأنا لا أكذب ولكني أتجمل). فتأمل!! محمد عبدالرحمن محمود [email protected]