يتبادر إلى الذهن عند الوهلة الأولى أن الإجابة عن السؤال أعلاه هي أن فرنسا تصنع طائراتها الحربية لنفسها، تحمي بها سماءها، وتقاتل أعداءها، فتدك بقوتها الجوية حصونهم وتلهبهم شواظاً تقذفها الميراج والرافال؛ لكن سرعان ما يتبدد هذا الخاطر العجل عندما نتساءل: ومتى كانت آخر حروب فرنسا التي استخدمت فيها هذه القوات الجوية وغير الجوية؟ لنكتشف أن الفرنسيين والأوروبيين عموماً قد طووا نهائياً ملف الحرب منذ أكثر من سبعين سنة، بعد أن وعوا بالتجربة العملية حماقة خيار الحرب، عندما دفعوا الملايين من الشباب الأوروبي إلى محرقة هائلة وأهدروا الموارد، ثمناً باهظاً في سبيل أهداف لا تستحق، مثل إشباع نزعات قومية جامحة، أو تحقيق أمجاد زائفة.. لكن ذات الدول ظلت تواصل إنتاج آلات الدمار الحربية، لأن ذات الأدواء التي كانت تثير الحروب في أوروبا ما زالت تفتك بأمم أخرى، لم تتجاوز مرحلة أحلام التوسع والاقتتال على قطعة أرض صغيرة، والتعصب الديني والمذهبي والقومي، وهي البلاد التي تشكل أوطاننا في إفريقيا والعالم العربي والإسلامي. فإذا كانت الدول المصنعة والمصدرة لآلات الحرب غير معنية بوقف سباق التسلح في أقاليمنا، لما تمثله الصفقات المليارية من إنعاش لاقتصاديات تلك الدول، ألسنا معنيين بوقف سباق ينهك مواردنا ويقتل شبابنا ويثير بيننا البغضاء؟ هي مفارقة تكاد لا تصدق لولا أننا نعايشها، وما دامت حالة معاشة فهي دليل على أنها ابنة ثقافة راسخة، تجعل الحاكم مزهواً وهو يعلن قرار الحرب، والشعوب تتظاهر مؤيدة للفارس المغوار. هذه الحالة تحتاج لثورة ثقافية تصحح الصورة النمطية ل «البطل». فما زالت البطولة مرتبطة في أذهاننا -حكاماً ومحكومين- بالحرب.. بالفاتح الذي يتوسع في إمبراطوريته، أو القاهر الذي يذل جيرانه، ويؤدب المتطاولين في الإقليم. فعاش فينا أشباه نابليون وهتلر، بعد أن اندثرت هذه الأنماط البطولية في بلدانها الأصلية. يبدأ التغيير بالمستوى الشعبي، بظهور طلائع تنشر ثقافة السلام، وتنشئ مجموعات ضغط تتزايد وتتوسع، حتى يشعر الحاكم بالحرج، حين يقدم على مغامرة حربية؛ ثم ببروز أحزاب تجعل السلام المرتكز الأساسي في برامجها، تتكامل وتنسق مع مثيلاتها في الإقليم. وتتسارع الخطى إذا ظهر قائد عبقري، يعلن بوضوح أنه لا يتشرف بإخافة جيرانه، ولا يشرفه إهدار أموال شعبه في شراء السلاح لوطن هو أحوج ما يكون للتراكتورات والحاصدات والمصانع، ولبناء المشافي، وإنشاء المدارس، ومراكز البحوث.; العرب