جنة الشوك مصر وبنسودا "هو الكلام بفلوس؟" في الوقت الذي كان ينتظر فيه السودان تفسيراً مقنعاً أو اعتذاراً صريحاً من مصر على وصول مدرعات مصرية الصنع إلى أيدي المتمردين في دارفور والتي غنمتها القوات المسلحة قبل أسابيع.. تجد مصر ما تظن أنه مخرجاً تخفف به فعلتها وهي ترد على تقرير قدمته المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، يوم الخميس، لمجلس الأمن حول الوضع بدارفور، حثت فيه المجلس على اتخاذ إجراءات ملموسة تساعد في توقيف من تطلبهم محكمتها وتقصد الرئيس البشير. سفير مصر الدائم لدى الأممالمتحدة عمرو عبد اللطيف أبو العطا وعلى طريقة (هو الكلام بفلوس؟).. قام بالتعليق على طلب بنسودا بقوله إن إجراءات المحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس البشير يجب أن تعلق حتى لا يتضرر الأمن في أفريقيا.. و(أهو كلام.. يمكن يرضي الجماعة بتوع السودان). لا يا عزيزي.. السودان أولاً لم يعد يحتاج إلى دعم من أي طرف بخصوص محكمة بنسودا هذه بالذات، فقضيتها ماتت وشربت موتاً، وإذا احتاج مثل هذا الدعم فلن ينتظره منكم تحديداً. قدموا اعتذاراً صريحاً أو حتى مموهاً ومنقوصاً، لكن اعترفوا أولاً بالخطأ واعتذروا للسودان ولشعبه عن تلك الخطيئة الفاضحة التي ارتكبتموها في دارفور. فالاعتذار السياسي بين الدول لا يختلف في طبيعته عن الاعتذار الشخصي عن الأخطاء، فهو يشترط اعترافاً شجاعاً بالخطأ أولاً.. وهذا ليس أمراً جديداً في التأريخ السياسي العالمي، فقد سبق أن اعتذرت دول كبيرة لدولٍ بحجمها أو أكبر منها عن أخطاء اقترفتها في حق تلك الدول.. هناك سلسلة طويلة من الاعتذارات قدمتها أعظم الدول وأقواها لدول أخرى مثل اليابان التي عزلت وزير داخليتها في الستينيات بعد تعرض سفارة أمريكا للهجوم واغتيال السفير الأمريكي في طوكيو، وقدمت اعتذاراً رسمياً للولايات المتحدة. حتى إسرائيل اعتذرت لتركيا من قبل، واعتذرت الولاياتالمتحدةلكوريا الشمالية أيضاً عام 68 عن أعمال تجسس قامت بها سفينة أمريكية، وكانت بحرية كوريا الشمالية قد احتجزت السفينة الأمريكية (بوابلو) واتهمتها بجمع المعلومات الاستخبارية داخل المياه الإقليمية لكوريا الشمالية، ولم تطلق سراح (82) ضابطاً وبحاراً أمريكياً إلا بعد الاعتذار الأمريكي الرسمي. كونوا شجعان واعتذروا للسودان عن ذلك الفعل القبيح قبل كل شيء.. فالسودان لا ينتظر خدمات دولية في مجلس الأمن أو غيره من طرف يوجه نيرانه المباشرة ضده.. موقفكم مع السودان أسوأ من موقف بنسودا نفسها، فمن يتوسط لمن؟! كنا سنحترم هذا الموقف المصري – برغم عدم أهميته – لو جاء منسجماً مع المواقف المصرية تجاه السودان في سياق واحد، ولو لم تكن مصر نفسها هي التي طالبت مؤخراً بعدم رفع العقوبات عن السودان. شوكة كرامة لا تنازل عن حلايب وشلاتين. جمال علي حسن اليوم التالي