+++++ عطفاً على مقالي الذي نشرته مؤخرا تحت عنوان: عن التعاقب اللحني بين الأغاني والمدائح، رأيت لزاماً عليَّ من واقع المسؤولية الأخلاقية، ومقتضى الأمانة العلمية، ونزولاً عند حقيقة، أو معلومة مرجَّحة تتعلق ببعض ما كنت قد أثرته في ذلك المقال المذكور، وهي معلومة كانت غائبة عني من قبل، أن أورد هذا التصويب والاستدراك التالي على ذلك المقال، إحقاقاً للحق، وتعميماً للفائدة. أولاً، لفت انتباهي أكثر من واحد من الأخوة الأفاضل ممن تهيأت لهم قراءة المقال، وعلى رأسهم الأخ الأستاذ الصحافي والأديب، محجوب فضل بدري، إلى أن الشيخ عبد الرحمن شاطوط وتلاميذه بمدينة ود مدني، كانوا هم أيضاً ممن برعوا في تلحين المدائح النبوية والقصائد الصوفية، بالسائد من ألحان الأغنيات المعاصرة. وفي الحقيقة أنني على الرغم من سماعي باسم الشيخ شاطوط هذا، وصيته المعتبر بمدينة ود مدني، إلا أنني لم أكن في الواقع، على علم بإنتاجه وعطائه في مجال فن المديح النبوي هذا بالتحديد، والذي يبدو أنه كان من الغزارة في الكم، والتميز في الكيف بمكان. وثانياً ، صوَّبني أستاذنا البروفيسور إبراهيم القرشي، وهو ابن بجدتها في هذا المضمار بكل تأكيد، بأنَّ مؤلِّف مدحة يا حبيبي أحمد طبيبي، هو حفيد لحاج الماحي، وليس حاج الماحي المادح المشهور نفسه. وعلاوةً على ذلك، أيَّد رأي البروفيسور القرشي الآنف ذكره، الأستاذ محمد عمر عقيد، الذي أرسل إليَّ رسالة بالبريد الالكتروني من سلطنة عُمان جاء فيها ما نصه بتصرف طفيف: أن مدحة يا حبيبي أحمد طبيبي، ليست من نظم حاج الماحي المادح ذائع الصيت 1790 – 1871م، وأنها ليست في ديوانه الذي حققه ونشره الأستاذ عمر الحسين، وإنما هي من نظم حفيد له يُسمى – كما يعتقد الأستاذ عقيد: الماحي بن محمد بن حاج الماحي. وقد حملت تلك المعلومة الأستاذ عقيد إلى أن يستنتج بأن استدلالنا بتلك المدحة، فيما كنا بصدده من مبحث، هو استدلال غير صحيح، لكي يخلص من ذلك إلى احتمال أن يكون لحن أغنية ود الرضي: أحرموني ولا تحرموني، هو السابق بالحري للحن مدحة الماحي الحفيد المشار إليها. قلتُ: من المعروف، خصوصاً لدى المهتمين والمختصين، بأنَّ أولاد حاج الماحي، كجوقة مؤدين، بمختلف تكويناتهم وأجيالهم المتعاقبة، وبهذه المناسبة ما أعجب أمر هذه الجينات المتوارثة التي خلَّدت لنا رنة صوت حاج الماحي فيما نظن وطريقة أدائه، كما تتجسد من خلال أداء أحفاده من الشباب الموجودين بين ظهرانينا الآن أمد الله في أيامهم، لا يقتصرون في أدائهم حصراً ودائماً على المدائح التي هي من نظم ذلك الشاعر الكبير فحسب، فهم قد اشتهروا على سبيل المثال، بأداء واحدة من عيون قصائد المديح النبوي التقليدي في السودان، ألا وهي قصيدة: طه المنومسا في الكون مريَّسا . فهذه القصيدة، رغم ارتباط أدائها المعجِب بأولاد حاج الماحي، إلا أنها ليست من تأليف جدهم ذلك المبدع الفذ، وإنما هي من تأليف شاعر ومادح مغمور من منطقة الجعليين كما يقول المختصون في هذا الفن اسمه فضل الله، وهو ذاته الذي مهرها باسمه في ختامها قائلاً: فصل الله جابا دايربها الوصول .. الخ وكذلك سمعتُ أنا شخصياً قبل بضعة أعوام، تسجيلا صوتياً قديما لأولاد حاج الماحي، وهم يؤدون مدحة الشيخ حياتي الحاج حمد 1878 – 1943م الشهيرة التي مطلعها: نِمْ يا فَمِّي ليهم بشكِّرْ الساداتْ أصحاب الرسول الشقَّقُوا الخوداتْ ولذلك فلا غرو في أن يرددوا أيضاً مدحة: يا حبيبي أحمد طبيبي، خصوصاً وأنها من تأليف الماحي السبط، الذي ربما كان بالفعل، من أتراب ود الرضي أو معاصراً له على أقل تقدير بحساب السنوات. ومن هاهنا نجد أنفسنا ميَّالين إلى التسليم بأن يكون لحن هذه المدحة، مأخوذاً من لحن أغنية: أحرموني ولا تحرموني وليس العكس، على نحو ما ذهب إلى ذلك الأستاذ محمد عمر عقيد على سبيل الترجيح. على أنَّ جميع ذلك، لا يثنينا في الختام، عن رأينا بشأن حقيقة التعاقب والتبادل، والتأثير والتأثر اللحني بصفة عامة، بين الأغاني العاطفية، والمدائح النبوية في السودان، بوصفها ظاهرة فنية ظلت قائمة، ربما لمدة طويلة طول وجود هذين الفنين في بلادنا، ولذلك فإننا لا نستطيع الجزم بتاريخ بدايتها أو ظهورها على وجه الدقة، علاوة على أنها ما تزال ظاهرة قائمة وماثلة، وتستحق الرصد والدراسة في بابها بكل تأكيد. ===== خالد محمد فرح رابط المقال: https://alrakoba.net/articles-action-show-id-78826.htm