في ذكري مجزرة كجبار فليتواصل نضالنا من أجل تحقيق آمال شهدائها الشرفاء نطالب الحكومة بقلب الطاولة علي مشاريع السدود واستبدالها بقيام محطات إنتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية علينا أن نهيأ المنطقة النوبية لتصبح منطقة داعمة للاقتصاد الوطني بالسياحة والتنقيب العلمي للمعادن بدلا من إغراقها وتدميرها أجدد التحية في هذا اليوم لشهداء مجزرة كدنتكار في قرية كجبار الباسلة. وأجدد العهد بأننا لن ننساهم ما حيينا وأننا علي دربهم سائرون، تزكينا أرواحهم البريئة وتلهمنا عزيمتهم الباسلة وتلهبنا حرارة دمائهم الطاهرة. لن تلين لنا عزيمة، ولن يهتز لنا موقف حتي يتحقق المطلب العادل بإلغاء مشاريع سدي كجبار ودال. ونحن النوبيون كلما جددنا عزيمتنا في هذه الذكرى السنوية، نسترجع المآسي التي مرت بها المنطقة النوبية وخاصة تلك التي كانت من جراء بناء السدود المصرية علي أرضها في الجذء الشمالي للمنطقة النوبية الحديثة. ومصر الدولة، ومن سنين عجاف ظلت تتعامل بعقلية المتحكم الأوحد تجاه مياه حوض النيل بأكمله متدثرة بشعارات مختلقة مثل أنها "هبة النيل" أو هي "دولة المصب علي البحر" وغيرها. وظلت تغلب مصالحها الذاتية في ذلك بما فيها ذلك، أو حتي بالأخص، سياساتها مع السودان وبإصرار وإستمرارية موجهة وعزيمة متعالية. لا شك أن ذلك ظل أمرا مرفوضاً من غالبية أبناء الشعب السوداني عبر التاريخ بالرغم من ضجيج أبواق حاكمينا التي غالباً ما كانت مرتفعة بشعارات التوافق والتعاضد والتضامن والتكامل وغيرها من شعارات الولاء لحكام مصر، و نادرا ما ينخفض صوتها وهي تزمجر بنفس الشعارات من المعارضين لحكامها، ولكنها لم تنقطع علي الدوام في كل العهود التي حكمت السودان. صحيح أنه لابد من التقدير الكامل لحقيقة التشابك الطبيعي عبر التاريخ بين شعبين متجاورين ثم بين دولتين جارتين تشاركا أحقاباً من الحكم الأجنبي الواحد وبالتالي تبادلت المصالح الإقتصادية والإجتماعية بين شعبيها مثلما تشابكت المصالح السياسية لحكامها. ولكن وبغض النظر عن حقيقة وواقع تلك الشعارات (الأشقائية) المتكررة، فالحق الثابت والذي يجب أن لا يعتريه سوء فهم يستدعي أن نحدد علاقاتنا الخارجية مع كافة الدول بما يخدم مصالحنا: (نقطة علي السطر). وهذا أمر يشمل كافة المجالات والسياسات والخطط قصيرة الأمد وطويلة الأمد بما فيها البرامج الإستراتيجية أو الوقائية أو الإصلاحية أو التقويمية: في الزراعة والتجارة والصناعة والخدمات واضعين في الإعتبار الأولوية القصوي للمواطن السوداني وحياته الكريمة في الحاضر المستقبل. وهنا مربط الفرس: يجب أن تكون مصلحة الشعب والوطن السوداني هي الهدف والمبتغي وهي الخط الأحمر الذي نقف من فوقه بكل ثبات وقوة، ولا يمكن لأي كائن ما كان أن يتجاوزه سواءً متخطياً له إن كان غريباً، أو متراجعاً عنه إن كان ابن جلدتنا. والمسألة هنا لا تنحصر في مصر وحدها وتستثني غيرها. إنما يجب أن تكون سياسة صارمة مع كافة الدول مع الإحتفاظ بكافة أشكال الإحترام المتبادل مع الجميع. إذاً دعونا نتناول مثال حي من واقع الذكري السنوية لإنتفاضة كجبار هذه الأيام ونسأل مباشرة: ما هو الأصلح والأفيد للشعب والوطن السوداني (واتفقتا أنه المبتغي من كل سياسات) فيما يتعلق بالسماح لمصر بتخزين حصتها (تجاوزاً) من مياه النيل في الأراضي السودانية ببناء سدي دال وكجبار ؟ عندما ندرس الأمر من كافة النواحي العلمية والمالية والإجتماعية نجد انه لا توجد أي مصلحة في ذلك للسودان وشعبه. وقد سطرت أقلام كثيرة السلبيات المهولة والمدمرة لبناء تلك السدود علي الإنسان والأرض النوبية العزيزة والنفيسة في مقابل حفنة من الميقاواطات الكهربائية والتي من الممكن جداً انتاجها علي نفس الأرض النوبية مستفيدين من ما تتمتع به من عناصر نجاح لطاقات بيئية نظيفة كالشمس والرياح. والناظر في أنحاء العالم المتقدم يري كم هي نادرة الأماكن التي تتمتع بوجود عناصر الطاقات البديلة وخاصة الشمسية. وكم من الأموال تصرف من أجل تطوير وتحديث كافة وسائل إنتاج الطاقة النظيفة في أماكن تضعف فيها عناصرها الأولية كالشمس والرياح. فهم يعلمون أنها الطاقة الصديقة للبيئة وبالتالي للإنسان وكل مستقبل الحياة الكريمة علي الأرض وأنها الطاقة البديلة في المستقبل المنظور عند نضوب البترول والغاز من الأرض وقد أصبح ذلك قريبا بأعمار الشعوب. فلا يستقيم ولا يعقل أن لا نستغل نحن ما حبانا الله به من نعم تلك العناصر، بل نسعي الي تدميرها بالإغراق وقتل الحياة فيها ! وعليه، وبكل صرامة: يجب علينا أن نواصل مطالبتنا وبدون أي مساومة بالتالي: 1- أن تعلن الحكومة تخليها عن مشاريع وأفكار وأوهام قيام تلك السدود نهائياً. 2- أن تكشف للجميع عن حقيقة إرتباط تلك المشاريع الوهمية بإملآت أو توافقات الحكومة المصرية. 3- وعليها أن تسعي فوراً في دراسة وتصميم محطات لإنتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية لبنائها علي مراحل في أكبر مساحة صحراوية علي إمتداد غرب النيل شمال السودان. ويعتمد حجم الإنتاج الكهربائي علي قوة إنعكاس الطاقة الشمسية علي المنطقة: مثلا تمكنت المغرب من انتاج 550 ميقاوات علي صحرائها كمرحلة أولي وتبلغ قوة انعكاس الشمس عليها 3000 ساعة سنوية، في حين تبلغ قوة الإنعكاس في الصحراء السودانية 4000 ساعة سنويا. فأذا كانت المغرب ستصل بأنتاجها للطاقة الشمسية الي 2 ألف مجاوات بتكلفة تقل عن 9 مليار دولار، فيمكننا أن نصل الي نفس الإنتاج علي 3⁄4 مساحة مشروع المغرب. وهذا الإنتاج يوازي ضعف السعة الإنتاجية لسد مروي ويوازي أكثر من 70% من انتاج الشبكة القومية حاليا. 4- أن تفتح الفرصة لتأسيس شركة مساهمة وطنية خالصة تكون الحكومة المساهم الأساسي فيها مستفيدة من الدعم الذي تحصلت عليه لبناء سد كجبار، علي أن تفتح الفرصة لكل قطاعات الشعب السوداني ليساهم فيها: أفراداً أو شركات وطنية خاصة من أجل توفير التمويل اللازم لبناء مراحل تلك المحطات. وعلينا الإستفادة من التجربة الأثيوبية في توفير تمويل بناء سد النهضة علي نفس المنوال المقترح. 5- أن يتضمن مشروع بناء المحطات الشمسية مشاريع مصاحبة لتعمير وإزدهار المنطقة النوبية العزيزة علي وجدان كل السودانيين وليس النوبيون وحدهم بدلا من تدميرها. فيتم إنشاء البنية التحتية الأساسية والتي اتحرمت منها المنطقة عبر التاريخ بقيام شبكة للطرق بين قلب الوطن ومختلف مدن وقري المنطقة النوبية. ويشمل ذلك بناء الجسور الصغيرة التي تتيح العبور ما بين شرق وغرب النيل في مواقع مهمة بالإضافة الي ربط الجزر النوبية التاريخية الكبيرة مثل جزيرة صاي التي بها مواقع أثرية في غاية الأهمية. كما تنشأ المستشفيات والمؤسسات التعليمية لضمان إستقرار مواطنوا المنطقة بالإضافة الي قدرتها علي إستضافة وتوطين القادمين من أجل مشاريع التعمير. 6- وحتي تصبح بدورها منطقة مساهمة بالدعم المادي لكل ما سبق بدلا من أن تكون مستنزفة للموارد المطلوبة أساسا لقيام مشاريع محطات الكهرباء الشمسية، يجب أن تهيأ المنطقة النوبية وتحويلها الي منطقة سياحية كبيرة تغطي كافة المواقع الأثرية والأماكن التي تتمتع بجمال الطبيعة علي الجبال وضفتي نهر النيل وهي كثيرة. علينا أن نستعد وبخطوات سريعة للإستفادة من الحملات الإعلامية الدولية التي كشفت لكل العالم عن الأهمية التاريخية لهذه المنطقة حتي لا نخسر تزايد معدل التوافد للزوار الأجانب والذي بدا واضحا في العامين الأخيرين ونصيبهم بالإحباط لعدم توفر الخدمات الأساسية لراحتهم. 7- يجب أن يتم دعم التنقيب عن المزيد من الآثار والتطوير المستمر للمواقع التي تم إكتشافها ويتم إكتشافها. علينا أن نصحح العقلية التنفيذية لتتعامل مع هذا الأمر بإعتباره إستثمار مهم جدا لأهم الموارد الإقتصادية للسودان وليس مجرد لوحات تجميلية لصورة السودان ومتنزهاته الترفيهية. هذه العقلية لابد أن تتغير خاصة وأن الإعتماد علي موارد مثل البترول قد تم تدميرها ولا حائل من الإعتماد عليها. 8- وبنفس الأهمية، يجب علي الدولة السيطرة التامة علي الإستثمار في مجال التنقيب عن المعادن النفيسة وخاصة الذهب في كل المنطقة النوبية، وفي الحقيقة كل السودان. لا ندعو أن تصادر الدولة المواقع التي تستثمر فيها الشركات الأجنبية وبعقود قانونية وصحيحة، ولا أن توقف التنقيب الأهلي أو الخاص. ولكن علي الحكومة أن تتحكم في إدارة ذلك الإستثمار الهام جدا بدلا من أن تنتظر أن يأتيها المستثمر ليبيع لها ما تحصل عليه من معادن بغض النظر عن الأماكن التي نقب فيها أو الوسائل التي إستخدمها في ذلك التنقيب. ونعلم جميعا المواد الخطيرة والمدمرة للبيئة والقاتلة للإنسان والحيوان التي تستخدم عشوائيا في التنقيب وإستخلاص الذهب. اذن علينا أن نواصل نضالنا كنوبيين خاصة وسودانيين عامة من أجل قلب طاولة مشاريع سدود الشمال المدمرة والإستعاضة بها بمشاريع لبناء المحطات الكهربائية المنتجة من الطاقة الشمسية ومعها كل التعمير المذكور وغيره. وبنفس حكمة إستهداف مصلحة السودان وشعبه في المقام الأول، علينا أن نتخذ موقفاً حازماً من استكمال بناء سد النهضة الأثيوبي! وفي هذا الشأن كتبت أقلام مهنية رفيعة كثيرة مثل د. سلمان محمد أحمد (الله يمتعه بالعافية) عن الفوائد الكثيرة التي سيجنيها السودان وشعبه عند إكتمال ذلك الصرح العظيم. ولا يوجد أي سبب أو أي منطق في وقوف حكومتنا موقف المحايد بين مصر وأثيوبيا !!! أولاً لسنا في غرب أفريقيا أو جنوبها أو حتي خارجها لنكون محايدين ! بل نحن في قلب الحدث ونحن طرف أصلي في كل استحقاقاته وتبعاته. وان كانت حكومتنا مقيدة يإتفاقية مياه النيل المعدلة في 1959، فعلينا أن ندعوها الي إستغلال هذا الوقت الممتاز في سبيل التحرر من بنودها وقيودها القانونية طالما أن كافة دول حوض النيل الأخري قد انتفضت وبدأت عمليا تنفيذ مشاريعها الوطنية علي حوض النيل وإستغلال مياهه. في إعتقادي، هذا الإمر وحده يكفي تماما للدعوة المبررة لتعديل جديد لإتفاقية مياه النيل يضم كافة دول الحوض والوصول لقسمة عادلة يرتضيها الجميع بما يضمن التعاون السلمي بين دوله بدلا من المشاحنات والتهديدات التي تصل الي حد التدمير العسكري لكل الحوض وخيراته. المجد والخلود لشهدائنا الأبرار والعزة والتقدير لأهالي كجبار وكل النوبيون الشرفاء وكافة مكونات السودان المتعددة. المهندس: أحمد خيري أحمد