بسم الله الرحمن الرحيم قراءة في التصنيف العالمي للجامعات (QS) يونيو 2017م : أفضل 1000 جامعة في العالم صدر خلال شهر يونيو الجاري(2017م) تصنيف كيو أس(QS) التايمز البريطاني. ويصدر من شركة كواكواريلي سيموند البريطانية التي تأسست عام 1990م ولها مكاتب فرعية متفرقة.ويستند هذا التصنيف على عدة معايير: تقويم البرامج الأكاديمية عن طريق نظراء من جامعات أخرى (40%)، الأبحاث المنشورة لأعضاء هيئة التدريس (20%)،إستطلاع آراء جهات التوظيف عن خريجي الجامعة(10%)، نسبة عدد الطلاب إلى عددالأساتذة(20%)،نسبة أعضاء هيئة التدريس الأجانب للعدد الكلي(5%) ونسبة الطلاب الأجانب للمجموع الكلي للطلاب(5%). ويشير هذا التصنيف إلى أن الريادة للجامعات المرموقة في العالم ماتزال للولايات المتحدة الأمريكية بجامعاتها الشهيرة تتقدمها جامعة هارفارد والجامعات البريطانية العريقة وعلى رأسها كمبردج و أكسفورد. وجاء ترتيب الجامعات العشر الأوائل في الترتيب العالمي لتصنيف"كيو أسQS" كما يلي: معهد ماسوشيتس التكنلوجي،ستانفورد،هارفارد ومعهد كاليفورنياالتكنلوجي(الولاياتالمتحدة)،كامبردج(بريطانيا)، أكسفورد(بريطانيا)،كليةلندن الجامعية(UCLA)،المعهد السويسري الفيدرالي التقني بسويسرا،الإمبريال كوليدج(لندن) وشيكاغو(الولاياتالمتحدة).ولوحظ تقدم الجامعات التي تركز بقوة على الجانب التكنلوجي. ودخلت العشرات من الجامعات الآسيوية ضمن أفضل جامعات العالم بينما إتجهت جامعات أمريكا اللاتينية إلى التحسن. . ويلحظ تقدم الجامعات الإسرائيلية،إذ حصلت خمس منها على مراكز متقدمة في قائمة أل(1000) جامعة الأولى عالميا وهي:الجامعة العبرية (149 عالميا)،جامعة تل أبيب(202 عالميا) ،معهد إسرائيل التقني(224عالميا)،جامعة حيفا (650عالميا) وجامعة بن جوريون بتل أبيب(350عالميا). وإرتكازا إلى تصنيف كيو أس(QS) فإن قائمة التفوق للجامعات أل (1000) الأولى في العالم العربي تمثلها (31) جامعة هي بالترتيب جامعة الملك فهد للبترول والمعادن سعود بالظهران والتي إحتلت المركز أل(173عالميا)ً، جامعة الملك سعود بالرياض(221عالميا) ،الملك عبدالعزيز بجدة(267عالميا)،قطر(349عالميا)، الإماراتالعربيةالمتحدة(390عالميا)، الأمريكية بالقاهرة (395عالميا)، الأمريكية بالشارقة(420عالميا)،الخليج العربي بالبحرين (420عالميا)،خليفة(الإمارات)(460عالميا)،السلطان قابوس(سلطنة عمان)(460عالميا)،الملك خالد(السعودية)(480 عالميا)،القاهرة(490عالميا)،القديس يوسف-بيروت(491عالميا)،بغداد(550عالميا)،أم القرى-مكة المكرمة(600عالميا)،الجامعةالأردنية(600عالميا)،الأمريكية-دبي(650 عالميا)،الأردن للعلوم والتكنلوجيا(650عالميا)،الأمريكية- بيروت(650عالميا)،الكوفة(العراق)(650عالميا)،الكويت(700عالميا)،عين شمس(مصر)(750عالميا)،الشارقة(الإمارات العربية المتحدة)(750عالميا)،أبوظبي(800عالميا)،الإسكندرية(800عالميا)،الإمام محمد بن سعود(800عالميا)،الملك فيصل (السعودية)(800عالميا)،الأزهر الشريف(1000عالميا)،محمد الخامس-الرباط(المغرب)(1000عالميا) والبحرين(1000عالميا). وجاءت تسع جامعات في أفريقيا جنوب الصحراءالكبرى في الألف الأوائل وهي: كيب تاون(191عالميا)،ويتوترستراند(359عالميا)، ستلنبوش (361عالميا)،بريتوريا(550عالميا) ،جوهانسبرج(650 عالميا)،رودس(750 عالميا)؛الكاب الغربية (جنوب أفريقيا)، نيروبي(كينيا) وجامعةغانا(غانا)(1000عالميا). وجدير بالإنتباه غياب جامعات عريقة يطال عمر التأسيس لبعضها عدة قرون ( الزيتونة، القيراوان،الخرطوم،الجزائر ، تونس ،الرباط ،أديس أبابا ،ماكريري"يوغندا" وإيبادان"نيجريا")عن قائمة الجامعات أل(1000) الأولى عالمياً. مما يدعو للتساؤل عن أسباب التراجع العلمي لهذه الجامعات ، سيما وأننا نستشرف فواتيح الألفية الثالثة التي تشهد بلا شك تقدماً متسارعاً في كافة المجالات (التقنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية) بحيث يصعب على أكثر الناس إيغالاً في الخيال التنبؤ بإفرازاته المستقبلية. . وبقراءة فاحصة لنتائج التصنيف العالمي للجامعات بعاليه يتضح لنا أن ثمة صعوبات جمة تواجه التعليم العالي في الجامعات العربية والأفريقية أفضت بالكثير من هذه المؤسسات إلى التراجع الأكاديمي الذي لا تخطئه العين. ولعل أبرز هذه المشاكل عدم وجود إستراتيجية وخطط واضحة للتعليم بشكل عام ونظيره العالي على وجه التخصيص. ولا يزال الدور الذي تقوم به الجامعات العربية والأفريقية في تطوير المعرفة والإسهام في التنمية يوصف ب "الدور الناعم" . ورغم أن الجامعات العربية والأفريقية لا تتيح – كما هو معلوم – الطائرات والسيارات ولا الأجهزة الإلكترونية ، إلا أنها تقوم بتهيئة "من يقوم بذلك" من ناحية ، كما وأنها تقدم الغطاء المعرفي النظري والتطبيقي والذي يسهم في "تمكين ذلك" من ناحية أخرى. وتشير دراسات حديثة إلى أن التقدم العلمي وتوطين التكنولوجيا ليس من أولويات الأقطار العربية والأفريقية حيث توظف معظم ميزانياتها للجوانب الأمنية والعسكرية. وفي هذا السياق نشير بأن ما يصرف على البحث العلمي في أفريقيا والعالم العربي لا تزيد نسبته عن 0,2% من إجمالي الإنفاق السنوي العام مقارنة بدولة إسرائيل (4,7 %) . وبالتأمل في الوضع العلمي بين العالم العربي وإسرائيل نلمح مقارنة غير مبررة . فعدد الكتب والدوريات العلمية التي تصدر سنوياً في الأخيرة يبلغ (6866) إصدارة في حين أن العالم العربي ينتج (10,000) مؤلفاً وكتاباً(أنظرمقال:البحث العلمي في إسرائيل والعالم العربي:مقارنة صادمة،للدكتورعمر صادق إسماعيل،منشورة المركز العربي للدراسات السياسية والإستراتيجية الإلكترونيةACPSS:27ديسمبر2014م ) رغم الإمكانيات المادية المهولة للعرب وبخاصة دول الخليج البترولية. ومن التحديات التي تجابه المؤسسات الجامعية العربية عدم مواكبتها لمستجدات العصرنة. ويذكر الدكتور كلوفيس مقصود (أستاذ القانون الدولي بالجامعة الأمريكية في واشنطون) أن 75% من هذه الجامعات نشأت في العقود الأخيرة وهي غير مرتبطة بالقطاعات الإنتاجية، علاوة على أن معظم الوقت في هذه الجامعات مخصص للتدريس وليس للبحث العلمي الذي يتطلب إنفاقاً غير قليل. فحجم الإنفاق في مجال التعليم في العالم العربي حتى العام2016 بلغ174مليار دولار. وهذا الرقم – رغم إرتفاعه النسبي مقارنة بالأوضاع المالية السائدة في معظم البلدان العربية – إلا أنه لا يفي بالطبع بالحد الأدنى مما هو مطلوب للتواصل مع ثورة المعلوماتية وتوطين العلم في المجتمعات العربية. ومما تم إيراده آنفاً ، من الواضح أن الجامعات السعودية وفي مقدمتها الملك فهد للبترول والمعادن والملك سعود هي المؤسسات التعليمية البارزة في المنطقة العربية التي تسير بخطى ثابتة نحو الأمام مواكبة للتقدم العلمي في العالم إستناداً إلى إستراتيجية جلية المعالم. وقد قُيّض لكاتب هذه الأسطر أن يعمل عضواً بهيئة التدريس في الأخيرة(جامعة الملك سعود) في الثمانينات والتسعينات الماضية معاصراً لبدايات إنفاذ هذه الإستراتيجية البعيدة المدى بغية اللحاق بركب العلم والمعلوماتية من خلال العديد من البرامج المميزة (مجتمع المعرفة ، التوأمة العلمية العالمية، كراسي البحث، مبدعون ، الملكية الفكرية ، الحائزون على جوائز نوبل ...الخ). فلا غرو أن إرتقت هذه الجامعات نحو العالمية متفوقة على العديد من الجامعات الأوربية والأمريكية الذائعة الصيت في مجال التدريس والبحوث (استوعبت جامعة الملك سعود 4500 عضو هيئة تدريس تخرج (80%) منهم من أفضل (100) جامعة في العالم) ونقل التقنية والمعلوماتية في منطقة الشرق الأوسط وتأسيساً على ما تقدم ذكره، فإن صورة الوضع العلمي والتكنولوجي في العالمين العربي والأفريقي تبدو حالكة القتامة ، إذ لا تزال معاهدنا وجامعاتنا تعاني الأمرّين من نقص في التجهيزات والبنى التحتية ناهيك عن تخلف المناهج والقوانين الإدارية المنظمة للعملية التعليمية،ضعف الأطر الإدارية للكثير من هذه الجامعات، والإنفصال شبه التام بين التعليم وسوق العمل، عدم تكافؤ فرص التعليم وتعدد مساراته (إزدواجية بين تعليم النخبة والعامة) ، عزوف المدرسين بوجه عام عن المساهمة في حركة الإصلاح والتجديد التربوي ، عدم فاعلية البحث العلمي ، تخصص المبعوثين للدراسة في الخارج في مجالات علمية لا صلة لها بالحاجات الضرورية لمجتمعاتنا ، تدني مستوى الخريجين (تحصيل ومهارات) ، الفاقد التربوي...الخ. والحال كذلك ، فالسؤال الذي يفرض نفسه هنا: إلاما نعيش عالة على الغرب والشرق الأقصى؟. فكل ما هو موجود لدينا من تكنولوجيا ومعلوماتية نقل نسخي من أوربا واليابان والصين وكوريا الجنوبية وسنغافورة وأمريكاالشمالية (الولاياتالمتحدة وكندا) يتجاوز الأطر والبنى التحتية التي يعمل النسق الإنتاجي التكنولوجي في مدارها. ولكيما نستطيع اللحاق بركب العلم والتكنولوجيا والمنافسة في التقدم الحضاري العالمي يجب زيادة الإنفاق في مجال التعليم والبحوث وتوطين العلم في معاهدنا وجامعاتنا . وأهم من كل ذلك لابد أن تتغير مفاهيمنا التقليدية نحو العلم ودوره في الحياة. وقد أدى غياب المفهوم التاريخي لنظام العلم أن إنزلقت المؤسسات التعليمية العربية والإسلامية والأفريقية إلى إتجاه المحاكاة والتقليد والقفز إلى نهايات العلوم دون وجود أرضية يرتكز عليها للإستفادة من هذه النهايات ودون أن يكون لذلك صلة بالواقع الإقتصادي والإجتماعي. وأسميت هذه النزعة ب "العلموية" وأصبحت تشكل جزءً من عقلية النخبة المتعلمة والمتخصصة في العالمين العربي والأفريقي. وإذا ما أضفنا إليها نزعة تطوير المجتمع من خلال إستيراد أحدث ما أنتجته أسواق التكنولوجيا من أجهزة ومعدات وأنظمة مع التجاهل التام للأسس الفكرية – الفلسفية التي إستندت إليها هذه الإنجازات العلمية والتي كانت – في كثير من جوانبها – حلولاً لمشكلات مجتمعات غربية وشرقية ذات تطور تاريخي مغاير وواقع حضاري يباين واقعنا، فإننا نعمل – دون وعي – على تغييب الرؤية التاريخية لسيرورة التطور التقني والمعلوماتي مما يفضى بنا إلى العجز عن توظيف الفكر في إستقصاء المضامين العلمية للظواهر الإنتاجية وظواهر تقدم المجتمع من خلال آليات العلم والتكنولوجيا. ومهما يكن من شأن ، فلابد من الأخذ بأسباب العلم والتكنولوجيا أياً كانت مظانها مع الحفاظ على ثوابتنا العقدية والتمسك بموروثاتنا الثقافية التي تتواءم وروح العصر. ولا ريب أن تجارب بعض البلدان التي كانت حتى القرنين الماضيين تشابهنا واقعاً حضارياً وإرتقت إلى مصاف الدول المتقدمة (اليابان والصين وكوريا الجنوبية وماليزيا وسنغافورة) لجديرة بالإحتذاء والتقبيس. فهلا شمرنا عن ساعد الجد لإستعادة أمجاد أسلافنا الذين كانوا حداة ريادة فكرية وعلمية للإنسانية جمعاء؟. نأمل ذلك والله المستعان وهو الهادي إلى سواء السبيل. بروفيسور عبدالرحيم محمد خبير كلية العلوم الإنسانية جامعة بحري