بالأمس يممنا خطانا نحو منتدى دال الثقافى، بدعوة كريمة لحضور ليلة مع الفنان الشامل شرحبيل أحمد. أتى شرحبيل ساحبا من خلفه عمرا تخطى العام الثانى بعد الثمانين، وحاملا فى رأسه وبين كفيه وعبر حنجرته مواهبا شتى، تنوعت بين غناء وشعر ونحت ورسم وتمثيل. امتلأت القاعة بحضور حتى فاضت جوانبها. .لا ضاق الجالسون بالواقفين ،ولا انزعج الوقوف بطول الزمن وتيبس المفاصل. .كل الأعمار والفئات حضرت حتى تحسبن القاعة سفينة نوح ، وكانت الأغلبية للشباب وزهرات يانعات ، وسيدات كست النضارة وجوههن ،وحب الفن كحل فيهن أعين . شرحبيل؛ وبترو كزخات المطر ، نثر بديع صنعه بين الحضور، لكن الوقت المحدد أبى إلا أن يستعصم بساعتين ، فما أبخل الأوقات على السعادة وكل ما هو جميل وبديع، وما أكرمها على كل ما يسوء الناس ويجدب مشاعرهم ويلوث عقولهم ويلغى فيهم ضمائر. حدثنا شرحبيل عن نشأته وبداياته الفنية، وعلمنا منه أنه بالكد وحده يصنع المرءُ مجده، وبالإصرار والعمل الدؤوب ونبذ اليأس يعتلى مواقع النجوم. شرحبيل حكاية إستثنائية، بل وموهبة قل أن تجد لها مثيلا فى العالم...ابتدأ حياته كموظف ، ثم التحق بكلية الموسيقى ، وعمل معلما ...عشنا طفولتنا بل وأجيال قبلنا مع مجلة الصبيان والتى تولى فيها رسم شخصية العم تنقو وتأليف الحوار الشعرى الخاص بها، وأمتعنا بأغنياته العاطفية من خلال فن الجاز الذى صار فتاه الأول فى السودان وأحد اساطينه فى المنطقة. صنع فى بداية حياته جزءاً من الآلات الموسيقية التى يحتاجها بيده ، بمعاونة بعض الحرفيين فى المنطقة الصناعية، وذلك عندما لم يجد ما يماثلها أو وجد بعضها وترفع عليه ثمنها. ثمّ كتب لنفسه اشعارا جملها بألحان كتب لها الخلود فى رحلتها بين العزف والتغنى. شارك الرجل فى عمليين مسرحيين ضخمين كبطل، وهما مسرحية نبتة حبيبتى، لمؤلفها الشاعر هاشم صديق ، والتى لم يتم عرضها إلا بعد الهبة الجماهيرية ضد النميرى ، الذى كان هو وجلاوزته من الممانعين لعرضها ،باعتبارها عملا توعويا وتعبويا مهيجا للشعب، فالوعى عدو الديكتاتورية كما هو عدو للجهالة، ثمّ مسرحية سالى فو حمر، للأديب والديبلوماسى الراحل جمال محمد أحمد. سبعة وخمسون ربيعا مروا على شرحبيل فى المجال الفنى، استمتع بها هو أولاً قبل أن يمتع بها الآخرين. فيالها من حياة ياسيدى، وياله من إبداع ! شرحبيل وفى ليلة الشوق تلك دوزننا، كما فعل هو بكلمات الشاعر عوض أحمد خليفة ، فغنيناه : فى ليالى الشوق اناشدك ..بالحنان الفى ضميرك بالمحبة الفى فؤادى ...تانى لا تحرمنى نورك تحرمنى ليه.. تحرمنى ليه.. تحرمنى نورك كنت دايما بحكى ليك.. عن دنيتى وليلها و شقاها كلمه من قلبك حبيبة.. دوبت نارا و لظاها. محمود، ، محمود دفع الله الشيخ المحامى