سقوط مدوي لورقة توتٍ كبيرة عن عورة مشاريع سدود الشمال: بالأخص دال وكجبار إنخفاض هائل في تكلفة صناعة أدوات إنتاج الطاقة البديلة وبالخصوص الطاقة الشمسية فهل هنالك آذان صاغية وإرادة أمينة: أم هي الأطماع تعمي القلوب؟ أسمحوا لي أن أواصل نشر متابعاتي لكل ما يتعلق بالكوارث المترتبة علي بناء سدود في كل شمال السودان سواءً تلك التي حلت علي السودان بعد قيام سد مروى ومؤخراً سد الستيت، أو تلك التي يمكن أن تقع (لا قدر الله) إن أصرت الدولة علي تنفيذ سدي دال وكجبار علي جثث النوبيين. وأشدد علي التنبيه مرة أخري علي أنني أتخذ الدوافع القومية لكل السودان لرفض قيام أي سدود علي أرضه ولو كنت أخصص الحديث عن الضرر الكبير والأذي البالغ الذي تحدثه سدود شمال السودان علي الأرض النوبية وحضارتها العظيمة وعلي أهلي النوبيين، ومدي تأثير كل ذلك علي مقدرات الدولة بمجملها. في مقال اليوم، سأتعرض بحجة الأرقام وبالحجج العلمية للإدعاءآت التي ظلت ترددها الدوائر الدعائية للفئة التي تخطط وتنفذ مشاريع السدود وهي للأسف علي قمة السلطة وقد إتخذت بنائها كإستراتيجية أساسية للدولة من أجل زيادة إنتاج الطاقة الكهربائية. في وجهها الأعم، تنبني إدعاءآتهم علي فكرة أن التكلفة الكبيرة المطلوبة في بناء السدود هي في عملية إنشاء السد (Capital Cost) وعلي أنه متي ما تمت تغطية هذه التكلفة، لن تكون هنالك تكلفة تذكر لعملية تشغيلها (Running Cost) علي أساس أنها مجرد مرور مياه مندفعة من قمة السد لتدير التوربينات التي تدير المولدات المنتجة للكهرباء. أولاً: هذا الإدعاء مبدئيا مضلل جداً لأنه يتعامي عن حساب التكلفة العالية لإدارة التشغيل + تكلفة التدمير اليومي للبيئة خلف السد (قبله) بالترسيب الكبير لمكوناته الطبيعية + التدمير اليومي للأرض الغنية والصالحة للأنتاج الزراعي علي جانبي النيل بالزيادة اليومية لحجم بحيرة السد + الخسائر الفادحة لثروة المياه النفيسة بإرتفاع معدل تبخرها اليومي مع زيادة سطحها المعرض للحرارة + تكلفة السماد الصناعي الذي لابد من إستخدامه وإجباريا من كل من يريد مواصلة انتاجه الزراعي علي الأراضي التي هي أمام السد (بعده) نتيجة إحتجاز الطمي والمكونات البيولوجية المغذية للتربة + إلخ بإستثناء بند تكلفة إدارة تشغيل السد (مديرين ومهندسين وفنيين وعمال وآلات و غيرها) لا تدخل بقية التكاليف في حساب تكلفة ما يعرف بالتعريفة الكهربائية: أي سعر الكيلوات ساعة من إنتاج السدود. وقد يفيد ذلك الهيئة المحددة (أو بالتحديد إدارة السدود في حالتنا) والتي ينحصر هدفها في الحصول علي الكهرباء. ولكن لا يمكن أو لا يجب للدولة (المسئولة) بمجملها أن تتغاضي عن التكلفة الباهظة لبقية عواملها ! فالدولة هي من يخسر الأرض والمياه والموارد السمكية والعملة الصعبة لإستيراد السماد الكيميائى إلخ. ثانياً: هنالك بدائل ممتازة تمكننا من تفادي كل ذلك الدمار الذي تحدثه السدود وفي نفس الوقت الحصول علي الطاقة الكهربائية المطلوبة بل وبحجم أكبر وبإنتطام ومستقر وبإسنمرارية أطول مع السنين، وفوق كل ذلك وأهم من كل ذلك: بتكلفة أقل بكثير سواءً في الإنشاء أو التشغيل. والمقصود هو إستخدام الموارد الطبيعية التي حبانا بها الله سبحانه وتعالي من رياح وضياء كمواد أولية لإنتاج الكهرباء. التقرير في الرابط التالي صدر حديثاً يوضح الإنخفاض الكبير في تكلفة إنتاج الطاقات البديلة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح: https://www.bloomberg.com/news/artic...than-you-think صدر هذ التقرير من مؤسسة بلومبيرج المالية للطاقة الجديدة و يؤكد بأن الطاقة المتجددة (مثل الطاقة الشمسية و الرياح والنووية) أصبحت قليلة التكلفة الي الحد الذي سيمكنها وفي سنيين قليلة قادمة أن تصبح أرخص من أرخص مواد الطاقة المحترقة. فطرق ووسائل ومواد إنتاج الطاقة الشمسية عادلت حاليا في تتكلفتها إنتاج الطاقة بواسطة الفحم بعد أن كانت تفوقها بأضعاف قبل سنين ليست ببعيدة. ويعني هذا أن السبب الذي كان عائقا كبيرا أمام تحول إنتاج الطاقة من إستخدام المواد الضارة بالبيئة الي استخدام العناصر النظيفة المنتجة للطاقة الصديقة للبيئة، وأقصد به عائق التكلفة المالية، قد إنتفي نهائيا وأصبح ضرب من الماضى. كما يؤكد التقرير أنه وبسرعة كبيرة ستواصل تكلفة الطاقة الشمسية في الإنخفاض في السنين القادمة. وان كان التقرير قد استدل بالقيمة المادية الرخيصة للفحم في مقارنته، فإنما يشير بوضوح الي إنخفاضها الكبير عن العناصر الأخري مثل البترول والغاز والهايدروليكى والمعروف أصلاً بتكلفتها العالية. وبالتالي هي خارج المقارنة بديهياً. وفي إعتقادي، يرجع السبب الرئيسي وراء ذلك الإنخفاض الي الإستفادة الممتازة لمؤسسات البحث والتطوير(R&D) من حجم التمويل الذي قدمته دول كبيرة من أجل دراسة أفضل الوسائل العلمية التي تتيح للبشرية إستبدال الطاقة الحرارية والمدمرة للبيئة بالطاقة النظيفة والصديقة للبيئة. ولحسن الحظ أن خطوات كبيرة قد تمت وبنجاح كبير في هذه البحوث قبل التراجع المخزي للإدارة الأمريكية الجديدة في دعمها لتلك البحوث. وبالعودة الي قضية سدود الشمال وآئارها التدميرية التي ذكرتها سابقاً خاصة وأنها تبني علي شريط ضيق من الأرض الصلبة وحولها صحراء واسعة وجافة وحارة جداً نهاراً مما يزيد من عملبة فقدان المياه بالتسريب الرملي للتربة وتبخرها بالحرارة. ولا يوجد الإن أي منطق في المضي قدما في تنفيذها في حين أصبح من المؤكد إمكانية تخفيض هائل للتكلفة عندما نغطي المساحات الصحراوية بألواح منتجة للطاقة الشمسية وبتكلفة أقل كثيرا من تكلفة بناء السدود. أما من حيث التشغيل، فلكم أن تتصوروا حجم التخفيض الكبير في تكلفة ذلك عندما نقارن إنتاج الخلايا الشمسية والذي لا يحتاج سوي حرارة الشمس لتنتج مباشرة كهرباء، لا توربينات تدور بمخاطرها وتكلفة ذلك، ولا مولدات إضافية تدور بمخاطرها وتكلفة ذلك، ولا آليات معدات داعمة وتكلفة ذلك: وفوق كل هذا بعدد محدود من المشرفين علي الإنتاج عليها. كما أننا نحافظ علي أرضنا العزيزة والحضارة النوبية العظيمة فوقها وآثارها ومعادنها من تحتها. ونحافظ علي أهم ثروات المستقبل القريب الا وهي المياه وما أدراك ما المياه ! ألا هل بلغت: اللهم فأشهد. ... لنا تواصل بإذن الله. المهندس أحمد خيري