علي نحو متسارع بات بريق مخرجات الحوار الوطني وزخمها آخذ في الافول والتلاشي لان الشركاء الذين ملاؤا حياتنا ضجيجا وعويلا وردحي قد تمهلوا في كراسيهم وشرعو في التهام "الكيكة" والاستمتاع بها قبل ان يرسموا سكة الخروج بالسودان من ازماته واحتقاناته ويضعوا هذه "المخرجات" التي لطالما انشغلوا بها في مرحلة قبل الكيكة في اطاراتها ومساراتها الصحيحة . وبقراءة دقيقة لمعطيات الواقع ان الحديث عن مخرجات الحوار الوطني لم يعد مجديا او مفيدا في هذه المرحلة (فقد سكر السمار) اما الذين نالوا حظهم من السلطة يمارسون فضيلة الصمت رغم شعور البعض منهم بالظلم واختلال معايير القسمة , تلك هي الحالة التي يعاني منها حزب المؤتمر الشعبي باعتبار ان هذا الحزب هو مهندس الحوار وصانع مخرجاته وهي قضية لازالت تشغل مجموعات وتيارات عديدة داخل المؤتمر الشعبي خصوصا التيار الذي كان يقف من علي منصة الرفض للمشاركة في الحكومة وربما هذا هو ذات التيار الذي يناصره ربما بالباطن الدكتور علي الحاج الامين العام للحزب فالرجل الان تبدو عليه ملامح الاحباط وعدم الرضاء عن قضية المشاركة في حكومة الحوار الوطني حيث يتحدث مقربين من الدكتور علي الحاج ربما انه مستاء بشدة من وضعية حزبه الان في ظل هذه المشاركة ونقلت عنه المصادر الخاصة ان الدكتور الحاج كان يريد لحزبه ان يكون خارج اسوار السلطة ويلعب دور المراقب والمتابع حتي يتسني له تقييم الكيفية التي تنفذ عبرها الحكومة مخرجات الحوار . ولعل الحديث عن مخرجات الحوار حجبته الكثير من المعطيات الجديدة في المشهد السياسي وطغت عليه كذلك تداعيات وتفاعلات قضية العقوبات الامريكية التي منحتها ادارة ترامب آجال جديدة قبل ان تنظر في ازاحتها عن كاهل الحكومة وشعبها بعد 90 يوما كما ان السودانيين تشغلهم تعقيدات البحث عن معايش ميسورة اكثر من اي قضية اخري ولكل هذا فان التامل في طبيعة المشهد العام في بلادنا بكل تقطاعاته وتراجعاته يكشف حقيقة ان الحوار الوطني لم يكن سوي مهرجانا كبيرا لاقتسام الغنائم . كابوس العائدين ..! اكثر من 50 الف من السودانيين يصطفون الان خلف بوابات الخروج من المملكة العربية السعودية اقرار بان وجودهم هناك لم يعد يجدي لاسرهم ولا حتي لاوطانهم فاوضاعهم ساءت واقتصادياتهم تدهورت بمثل ما تدهورت وساءت ظروف المهاجر لكنهم الان يستجيبون للنداء الذي تطبقة القيادة السعودية (وطن بلا مخالف ) . معطيات جديدة وتداعيات قاسية جعلت من الهجرة كابوسا وقلقا مستمرا تعائشه الاف الاسر السودانية بالمملكة لم يكن بمقدور القنصليات السودانية ولا حتي جالياتها ان تخفف حالة الاحتقان وتزيل الاحزان من هؤلاء المغتربين فالقنصليات بلا ارادة وبلا فكرة وبلا حراك لخدمة هؤلاء بخلاف الحراك الذي يصب في مشروع توسيع المواعين الايرادية , اما الجاليات فهي الاخري منشغلة بصراعاتها الذاتية بحثا عن الاضواء والواجهات الاعلامية . حتما سيعود هؤلاء السودانيين قسرا الي ديار الاهل ولكنها ربما عودة بلا تحسبات وبلا رؤية من جانب الدولة ولهذا فان ذات الكابوس الذي لازم هؤلاء العائدين طيلة السنوات التي قضوها بالمهجر فانه بالتاكيد سيلاحقهم في اوطانهم وهنا تصبح غربة الوطن اسوأ من غربة خلف البحار والمحيطات والصحاري , وحتي الان لم تحدثنا الحكومة عن مشروعات او مبادرات حقيقة تخرج هؤلاء العائدين من الحالة النفسية التي جاؤا بها الي حياة اخري فيها قدر من الاعتراف بادوارهم واسهاماتهم السابقة علي المستوي الاسري وحتي القومي حينما كان المغترب (كالبقرة الحلوب) , كنا نظن ان الحكومة وعلي قمة مستوياتها ستقف في استقبالهم مقدمة لهم كل مستطاع حتي يعودوا مجددا كمعاول للبناء القومي مندمجين بكل يسر وترحاب داخل مكونات المجتمع السوداني , ولكننا نخشي الا يكون هؤلاء العائدين بؤسا ووجعا جديدا يضاف الي اوجاعنا القديمة والمتجددة بسبب اتساع قاعدة العطالة مع انحسار فرص التوظيف , كان من الاوفق والاجدي للحكومة ان تبادر اولا بتشكيل لجان خاصة من الخبراء والمختصين في الاقتصاد والتربية وعلماء النفس والاجتماع لدراسة اوضاع هؤلاء العائدين من كل الجوانب ووضع مقترحات عملية لما يحتاجونه من برامج ومشروعات عاجلة وليس كافيا ان يسند هذا الملف لمعتمدة برئاسة حكومة ولاية الخرطوم كاول مهمة لها في اول تجربة لها في الحكم (عجبي) , فما الذي ننتظره منك سعادة المعتمد حتي تخرجي لنا بفكرة او بعبقرية جديدة حتي يصبح هؤلاء العائدين مواطنين صالحين لهم من الحقوق بمثل ما عليهم من الواجبات . المؤتمر "المستحيل) ..! يعتقد الكثيرين ان ازمة الحركة الاتحادية في عصرها الحديث تتمحور حول ثلاثة قضايا اساسية (الشراكة في السلطة – الوحدة الاتحادية – والمؤتمر العام ) وهي التي ربما شكلت اصول الصراع والخلافات داخل الحركة الاتحادية بكل فصائلها وتياراتها واجنحتها السياسية فتعددت الرايات والمسميات واستنسخت هذه الحركة رحمها فصائل عددا اقامت فيما بينها جسورا عازلة فاصبحت كما الجزر المعزولة كل يغرد خارج سربه وكل يبحث عن ليلاه . فالشراكة في الحكومة افلحت في احداث حالة من الانقسامات والتكتلات داخل الاتحادي الاصل وعبرها ايضا اعملت قيادة الحزب كل اسلحتها ووسائلها العقابية ضد كل من يقف ضد تيار المشاركة ,اما القضية الثانية التي لازالت حلما بعيد المنال هي وحدة الاتحاديين وعودة (لحمتهم) مجددا علي هدي المبادي والثوابت التاريخية ولكنهم اختلفوا في الكيفية اوفي الصيغة الهيكلية التي تحقق لهم هذا العشق التاريخي فلجأت بعض القيادات التاريخية الي انتاج زعامات اخري موازية لزعامة مولانا السيد محمد عثمان الميرغني ولكن يبقي المؤتمر العام للاتحادي الاصل هو احد اهم المقعدات التي عطلت الحزب وبددت ارادته وغيبته من الساحة ومن الادوار القومية باعتبار ان تعطيل هذه الارادة الجماهيرية انتج قيادات غير مفوضة والاخطر من ذلك انها سعت كثيرا الي اقرار مواقف وسياسات مصيرية بحق الحزب دون الاستناد الي شرعية جماهيرية مما ادي الي خلل تنظيمي وفوضي داخلية استمرت طيلة الخمسين عاما الماضية . والان كما يبدو ان الحديث عن المؤتمر العام للحزب كانه من المحرمات او المقدسات التي لا يجوز لاي احد الحديث عنها غير رئيس الحزب مولانا الميرغني فبالامس حاولت القيادات المفوضة بامر مولانا الجام احد قياداتها وهو مال درار مسوؤل التنظيم بالحزب لانه تحدث فيما لا يعنيه او بالاحري سرق لسان (مولانا) للحديث بشان انعقاد المؤتمر العام للحزب .