في الاخبار الرسمية التي تواترت بالامس عبر الصحافة "الورقية" ان المؤتمر الوطني وجه الجهاز التنفيذي للحكومة بالابتعاد عن "التجنيب" والصرف للايرادات خارج ضوابط الموازنة وهذه التوجيهات جاءت علي لسان امين الامانة الاقتصادية بالمؤتمر الوطني الدكتور بدر الدين محمود ..كنا نظن ان مثل هذه التوجيهات لا ينبغي لها ان تصدر من اي جهة بخلاف البرلمان بحكم مسوؤليته المباشرة للرقابة علي المال العام وعلي اداء الجهاز التنفيذي الا اذا صح الادعاء بان سلطة المؤتمر الوطني هي التي تعلو علي كل السلطات في هذه الدولة ولهذا فان الحديث عن اي دور او توجيهات صادرة من المؤتمر الوطني يمكن فهمها في سياق الرعاية "الابوية" والفكرية وحتي التنفيذية من قبل الحزب تجاه الحكومة مهمهما كانت مكوناتها "الحزبية" وتلك هي القضية التي تبرر للقوي السياسية المعارضة فرضيتها باتهام المؤتمر الوطني بالطغيان والسيطرة في علي كل مفاتيح الدولة اقتصاديا وسياسيا وفكريا وبالشكل الذي يغيب تماما اي فكرة او رؤية اخري للذين يشاركون المؤتمر الوطني ادارة شان الدولة حتي لو كانت هذه المشاركة "مظهرية" . ولان ما بين الحكومة وحزبها فواصل " وهمية " او هكذا يراها الاخرين ودائما ما تختلط الاوراق وتتبعثر في فضائات المساحة الفاصة بين الحزب والحكومة ويسقط مبدأ "ما للحزب للحزب وما للحكومة للحكومة " ولكن اخطر ما في هذه العلاقة "الشائهة" ان سلطة المال والاقتصاد في الدولة السودانية هي سلطة "قدرية" لا تحكمها نصوص ولا شرائع قانونية ولكنها تستمد قوتها وسلطانها من منبع حزبي احادي التوجه والمنهج لا يضبطها سلطان الدولة ولا دستورها . وكثيرون هم اؤليك الذين يعتقدون بضرورة ان يخرج "الحزب الكبير" من الملعب الاقتصادي ويرفع يديه تماما من اي اجراءات او عمليات تنفيذية مباشرة في هذا الشان لان هناك حكومة مكتملة الاركان والهياكل والمسوؤليات بل ان المطلب الاساسي الذي يجب ان يواجه به المؤتمر الوطني هو ان يفطم نفسه من ثدي الحكومة ويستقل بذات ومهما كانت صعوبة هذا الفطام فانه لا خيار للاصلاح ولا سبيل لمكافحة الفساد مالم تتحقق المفاصلة "المالية" الكاملة بين الحكومة وحزبها . "حزب" تتجازبه الاطراف ..! عدد من تيارات ومجموعات حزب الامة ذات "نسخ" وديباجات سياسية متعددة حزمت حقائبها وتوجهت صوب القاهرة للقاء السيد الصادق المهدي زعيم"الامة" عشما في وحدة مستحيلة ولكنهم ربما في هذه المرة يدخلون هذا المشروع بالتفاف وارادة كاملة ومتوافقة في سبيل تحقيق وتعزيز مشروع وحدة فصائل واحزاب "الامة" بعد ان ارهقتها حالة التشظي الداخلي والاستقطابات السياسية الحادة كان لها الاثر الكبير في ان تفقد حظوظها في "الكيكة" ويتبدد نفوذها داخل كيانات الانصار وحزب الامة ..كل المعطيات تؤكد ان كل مكونات احزاب الامة تحتاج لبعضها البعض وكل يبحث عن الاخ خصوصا حزب الزعيم السيد الصادق المهدي والذي ينشط الان في القوي المعارضة ضد الحكومة بعد ان احرق الرجل كل "المراكب" التي تعيده الي حلف المؤتمر الوطني بسبب توقيعه علي وثيقة "نداء السودان" ومن قبلها وثيقة باريس ولكن كانت وثيقة نداء السودان بمثابة "القشة " التي قصمت ظهر البعير ومايزت الصفوف وفرقت ما بين "الوطني" وود المهدي . ويبدو ان الحكومة اجهدت نفسها كثيرا ولازالت "تهرول" من اجل اعادية "المهدي" الي قناعاته القديمة حينا بالوساطات و"المسهلين " وحينا اخر باطلاق العبارات والتصريحات المهادنة فالحكومة تبحث عن شراكات جديدة لتوسيع مظلة القانعين او المؤيدين لخوض ماراثون الانتخابات في ابريل القادم لانه لو لم تكن هناك شراكات جديدة ستبقي هذه الانتخابات بلا طعم ولا لون ولا رائحة وبالتالي تصبح مخرجاتها غير مقنعة للمجتمع الدولي قبل ان يباركها اهل السودان وحتي يعود المهدي او ينفض يديه من مادبة نداء السودان وربما ستلجأ الحكومة الي زرع الشقاق واثارة القضايا الخلافية التاريخية بين "المهدي" وجماعة نداء السودان وهذا لن يتاتي الا اذا نجح سيناريو اعلاء شان وقيمة التقاطعات والتناقضات السياسية والدينية والايدولوجية بين مجموعات "نداء السودان" بهدف اضعافه ثم جهاضه حينها سينفض سامر هذا التجمع الي لا شي او هكذا تراهن مجموعة المؤتمر الوطني . وعلي كل فان السيد الصادق المهدي يظل عاملا مؤثرا وشخصية قيادية محورية بين الاطراف السودانية حكومة ومعارضة تنشغل به الحكومة حينما يكون في المعارضة وتنشغل به المعارضة حينما يكون حليفا للحكومة ولكنه يبحث عن ذاته "الحزبية" لان قيادته تقف وكانها علي رمال متحركة "انصاره" منقسمون في ولاءاتهم الدينية والتاريخية وحزبه مبدد بين المشاركة "واللامشاركة" . نزيف الهجرة .. مئات السيارات الكبيرة التي ما زالت محتجزة داخل حظيرة ميناء "جدة" منذ اكثر سبعة اشهر بامر الجمارك السودانية تنتظر شارة العبور الي ميناء سواكن حيث فشلت كل المحاولات والرجاءات لاثناء "الجمارك السودانية" با تعيد النظر في سياساتها لاستيراد السيارات . اما اصحابها فقد ظلوا يهرولون بين جدةوسواكن والخرطوم يحملون بين ايديهم كل الاوراق التي تؤمن لهم شرعية العبور لسياراتهم الرابضة داخل حظيرة ميناء جدة ولكن الجمارك تابي الا وان تنثر العراقيل وتتخذ السياسات المجحفة في حق هؤلاء السودانيين والذين ينظرون باحباط واسي شديد كيف ان حصاد السنين يضيع من بين ايديهم خصوصا ان السلطات السعودية هناك في جدة كما يقول اهل الوجعة واصحاب هذه السيارات شرعت في اعلان قوائم السيارات "المصادرة" بسبب الفترات الطويلة التي قضتها هذه السيارات داخل حظيرة ميناء جدة دون اي اجراءات من السلطات السودانية .. ولكن الادهي والامر من كل ذلك ان هذه القضية "الازمة" يقابها صمت كصمت القبور من الاخوة في جهاز المغتربين والاخوة قادة الجاليات وحتي الحكومة علي مستوي مجلس وزاءها فهؤلاء بلا حراك وبلا خدمة يكرمون بها هؤلاء العائدين من مهاجرهم واسوأ ما في الازمة ان المغتربين السودانين يقطعون المسافة ما بين جدةوسواكن بشق الانفس حيث يهدر هؤلاء العائدين كل ما يحملونه من متاع في رحلة العودة لان الرحلة ما بين جدةوسواكن كافية لاي مغترب عائد في ان يعدل قرار العودة النهائية بقرار الهجرة مجددا وبلا رجعة وهكذا يستمر النزيف . احزان الجزيرة ..! لم يعد الحديث عن مشروع الجزيرة حديثا مهما او مثيرا للانتباه او يستوجب التامل والتدبر فكل الذي يمكن ان يقال عن الفساد والافساد او الحرب ثم القتل لهذا المشروع قد قيل ..اطنان من الاوراق والوثائق والكتب والبحوث ملات ارفف المكتبات واكتظت بها اضابير الحكومة ودواليبها وسودت بها الصحف اوراقها وتناقلت "الاسافير" قضية هذا المشروع ..حتي لم يعد هناك احد لا يعلم ان في الجزيرة مشروع اقتالته يد الدولة وافقرت انسانه في جريمة كبري ونكراء سيحفظها التاريخ جيلا بعد جيل . وعجبا ..ان يتهم هذا المشروع بانه عالة علي الدولة السودانية وهو الذي يحتضن اكثر من (2) مليون و(200) الف فدان من الاراضي البكر الصالحة للزراعة لكنها "المؤامرة" التي اهدرت كل هذه الامكانيات ثم اطلقوا علي المشروع بانه عالة وعبء كبير علي ميزانية الدولة فبالله اي مشروع في السودان غير هذا المشروع يستحق ان نحني له الهامان ونتصالح معه ونصحح مساراته ونقاضي كل من جني عليه وارتكب في حقه وحق مزارعيه الجرم الكبير ..فيا ايها الحكام مشروع الجزيرة ليس قبيلة تبحث عن سلطة او منصب حتي تتعاملوا معه بمنطق "الجهويات" والقبليات كما انه ليس مشروعا فكريا يناهض مشروعكم "الحضاري" حتي تشككوا في ولاءات اهله ..وتبقي الحقيقة التي يجب ان تتصالح معها الحكومة ان مشروع الجزيرة يحتاج الي وصفة علاجية عاجلة تبعث فيه الروح والحياة مجددا وتعيد له امجاده ..وصفة تخرج من اداراته كل الاوراق السياسية وتوابعها فاهل الجزيرة هناك يتاسون علي مشروعهم الضائع . [email protected]