سيكولوجية أهل المركز التسلطية يوماً بعد يوم يتأكد لنا بما لا يدع مجالا للشك أن دعاة القومية السودانية تنتظرهم مهمة شاقة في هندسة سيكولوجية القوميات التي مورست ضدها مظالم تاريخية و التي لم تكن منذ فجر الاستقلال المشؤوم فحسب بل منذ قيام الثورة المهدية و انتصارها على الاستعمار التركي _ المصري الذي رسم خريطة الدولة السودانية من أجل مصالحة التوسعية بغض النظر عن عدم وجود روابط ثقافية و اجتماعية و اقتصادية بين العديد من الممالك المسمي آنذاك بمسمياتها المختلفة. هذا إن لم تكن المهمة مستحيلة كما كان الحال مع الجنوب الذي انفصل بالرغم من بكاء القوميون آنذاك على لبن الوحدة المسكوب على أرض الواقع المليئ بالظلم و اللاعدالة الاجتماعية. نسميه بكاء لأننا ظللنا نسمع جعجعة و لكننا لم نرى طحينا... و تكمن مشكلة القوميون في أنهم ظلوا و سيظلوا على الدوام لا يملكون إلا آلية الأدب و الفن ، و الذي نثق فيه كل الثقة كآلية لجبر الخواطر و الكسور النفسية التي ظلت تعاني منها قوميات محددة داخل الدولة السودانية المفترضة. و ليس ثمة شك في أن الآداب و الفنون تحمل في ثناياها آمال الشعوب و أحلامها و تطلعاتها و لكن لا مقارنة بينها كآلية لتحقيق العدالة الاجتماعية و رد المظالم التاريخية و آلية النضال السلمي (السياسي) او النضال المسلح فالثانية بلا شك هي الآلية. المتعارف عليها و هي الضامن الأساسي لكل موضوع يتعلق برد الحقوق و المظالم. لذا يبقى تأثير الدكتور منصور خالد كمثال أكبر من تأثير صلاح أحمد إبراهيم و انا عن التأثير النفسي على الذين مورست ضدهم المظالم أتحدث بكل تأكيد، بالرغم من أن الإثنين ناديا معا بضرورة إعادة صياغ الدولة السودانية المفترضة على أسس جديدة تكون فيها العدالة الاجتماعية نواة و مدخلاً للتعايش بين مكوناتها المختلفة و نظرا إلى التعدد و التنوع كمصدر للثراء و نعمة و ليست نقمة. أقول ذلك و تحضرنا هذه الأيام مشكلة طلاب و طالبات دارفور المفصولين و المفصولات والمستقيلين و المستقيلات من جامعة بخت الرضا. و تابعنا بكل تأكيد كيف تم منعهم من التحرك داخل أوطانهم بكل حرية و منعهم من السفر إلى أماكن معينة. و تابعنا كيف كانت ردود الأفعال من قبل البعض الذي فضل الخروج لنصرة المسجد الأقصى. بل و تابعنا بعض الردود التي كانت في الصحف و بعضاً من المواقع الاسفيرية و مواقع التواصل الإجتماعي و الذي وضح لنا حجم الهوة و حجم الفراغ الوجداني بين من يفترض أنهم شعبا واحداً. و لأن مفهوم الشعب يقتضي بكل تأكيد وحدة الماضي و الاشتراك في الحاضر والمستقبل نعني بذلك( الوجدان المشترك). لذا كان لزاما علينا أن نتساءل عن أنه هل يعترف النظام بهكذا تصرفات باستقلالية مناطق محددة و خروجها عن نطاق سلطاته و نفوذه؟ هذا إلا و كيف يستقيم منعهم من دخول الخرطوم و السماح لهم بدخول الفاشر و يتم استقبالهم هناك إستقبال الأبطال؟ و هل أعترف النظام ضمنا بهذا التصرف الأخير بالخرطوم عاصمة للمثلث الشهير ب(مثلث حمدي) ؟ و هل تمثل ردود الأفعال المضادة بعدا وجدانيا حقيقياً بين شركاء الوطن الواحد؟ بماذا يمكننا أن نفسر نعت البعض للطلاب بأقبح القول و الصفات العنصرية و التمييزية؟ و ماذا في جعبة القوميون الآن لكيما لا ينهار جدار الثقة الآيل للسقوط؟ جدار الثقة في مشروع وطن حدادي مدادي و الذي إذا انبنى فسوف ينبني على جماجم البشر في دارفور و النيل الأزرق و جبال النوبة و الجنوب الذي آثر الخروج. جدار الثقة الذي ظل إنسان الشرق يسقط منه كلما تسلقه محاولا الوصول إلى باحة الوطن الكبير. جدار الثقة الذي ينظر البعض منه الي الآخرين في غرور السيد الذي تواضع ليعيش مع الآخرين. جدار الثقة المرتكز على سيكولوجية بعض أهل المركز الذين توارثوا لقب المعارضة و الذين يروا أن بمناداتهم بحقوق المهمشين تنتفي الحاجة إلى النظريات الاجتماعية الشارحة لطبيعة الصراع.. جدار الثقة المطلي بالخوف من عودة هيمنة المهمشين و حدوث عملية الإنقلاب القيمي كما الذي حدث منذ أمد بعيد. لذا نحن نتساءل عن الحقيقة التي تجعل البعض يتحدث عن سوء نية البعض خاصة إذا ما توفرت لهم أداة السلطة. ما الذي حدث و أن يجعل إنساناً يفكر في الانتقام إذا ما توافرت له القوة و السلطة؟ هل لأنه حدث و أن نكل به بذات الأداة ذات يوم؟ لماذا يخشى القوميون من الحديث عن العدالة الانتقالية؟ و هل بالفعل أن الحديث عن العدالة الانتقالية يجعل قطار التغيير يتأخر نوعاً ما؟ و ماهو التغيير المنتظر؟ هل التغيير المنشود هو تغيير السلطة فقط و من ثم إعادة إنتاج المفاهيم القديمة المتجزرة في نفسية الإنسان السوداني المفترض؟ نقول ذلك لأننا ندرك أن بوتقة الانصهار التي صيغت من قبل النخب لا تراعي التنوع الثقافي و هي أقرب إلى المشروع الاسلاموعروبي. و نقول ذلك لأن ما ترسب في النفوس ليس بالأمر السهل النسيان. و لا يمكننا أن نجعل النوايا و الأحاسيس النبيلة هي الضامن الأساسي لعملية إعادة صياغة الدولة السودانية. متوكل دقاش