قد لا يعي رعاة المسيرية في أبيي قرب المنطقة الواصلة بين حدود شمال وجنوب السودان التعقيدات السياسية التي قادت البلاد إلى استفتاء على تقرير مصير الجنوب وأبيي، ولكن ما يخشونه هو أن تؤدي نتائج الاستفتاء إلى خسارتهم للمراعي التي اعتادوا المسير إليها بماشيتهم لقرون طويلة وأن تتسبب في زيادة حدة المشاكل بينهم وبين القبائل الجنوبية. هذه القطعان هي لكثيرين مجرد ماشية ولكنها بالنسبة لعرب المسيرية هي كل شيء، ومن أجل كلأها تخاض رحلة شاقة حيث يقصد رعاة المسيرية منطقة بحر العرب الغنية بالمراعي كل عام، كما يقول مراسل الجزيرة من أبيي أحمد جرار. ففي الصيف ومع جفاف المراعي في الشمال وتراجع كميات المياه فيها تكون مراعي الجنوب هي الهدف، حيث يرتحل هؤلاء الرعاة حاملين أمتعتهم وهناك يقضون الشطر الأكبر من العام في انتظار فصل الخريف الذي يشهد موسم الهجرة إلى الشمال مرة أخرى. وحتى بدون الاستفتاء وتداعياته المنتظرة لطالما واجه الرعاة مخاطر عديدة في رحلتهم التي يقطعون فيها عشرات الكيلومترات داخل عمق الجنوب، فكيف سيكون الوضع وقد أصبحت هذه المراعي داخل حدود دولة أخرى إذا اختار الجنوبيون الانفصال عن الشمال، وإذا اختار سكان أبيي التبعية للجنوب في استفتائهم الخاص الذي سيجرى بالتزامن مع استفتاء الجنوب. وترفض قبيلة دينكا نقوك المقيمة قرب نهر العرب طوال العام هذه التسمية، فهي تسميه نهر كير وتقول إن أبيي وحقولها النفطية ملك لها وحدها وتعد المسيرية ضيفة في هذه المنطقة. صراع مسلح وخضعت العلاقة بين الطرفين منذ عشرات السنين للتوتر في بعض الأحيان وللهدوء في أحيان أخرى، بسبب التنافس على الرعي والموارد الطبيعية في المنطقة، غير أن الصراع بين القبيلتين اتخذ بعدا جديدا شكلته حسابات السياسة لتتحول طبيعة المشاكل في المنطقة والتي كانت غالبا تخضع لقانون القبيلة إلى صراع مسلح بين قبيلة المسيرية والجيش الشعبي لتحرير السودان التابع لحكومة الجنوب. يقول أحد هؤلاء الرعاة للجزيرة "لن ندخل الجنوب خوفا على أطفالنا وعلى أبقارنا"، في حين توقع زميل له الأسوأ قائلا إن الجنوبيين "قتلوا منهم 22 شخصا واستولوا على ماشيتهم". والشكوى لا تقتصر على الرعاة فقط، فهم متهمون من قبل مزارعي قبيلة الدينكا بأنهم لطالما استباحوا أراضيهم وتركوا أبقارهم ترعى فيها وتتلف المزروعات وبقوة السلاح أحيانا. فالدينكا لا ينكرون حق الرعاة في الوصول إلى المراعي والمياه في الجنوب حتى وإن حدث الانفصال، لكنهم يرون أن الحل يكمن في أن يأتي الرعاة لهذه المناطق من دون سلاحهم. يقول أحد أفراد دينكا نقوك للجزيرة "إذا جاء المسيرية مع أبقارهم لمناطقنا يمكن أن نسمح لهم ولكن إذا أتوا يحملون أسلحتهم فلن نقبل بذلك لأن ذلك يحدث الكثير من المشاكل". لكن من يضمن أن لا تأتي الرياح بما لا تشتهي سفن الرعاة والمزارعين على حد سواء، خاصة أن التوتر هو سيد الموقف في طول المناطق الحدودية. اتفاقية السلام ووفق اتفاقية السلام بين الشمال والجنوب، يضم هذا الإقليم تسع مشيخات من قبيلة دينكا نقوك حولت إلى كردفان عام 1905، وأكد الاتفاق أيضا أن قبائل المسيرية والجماعات الرعوية الأخرى تحتفظ بحقها التقليدي في الرعي والتنقل عبر الحدود، ومنذ توقيع الاتفاقية حصلت أبيي على وضع إداري خاص بإشراف الرئاسة السودانية في انتظار الاستفتاء على مصير الجنوب ومصيرها. وقد أعطى قانون الاستفتاء الخاص بأبيي حق التصويت لقبائل دينكا نقوك إضافة للسودانيين الآخرين المقيمين في المنطقة، وقد رفضت قبيلة المسيرية القانون لأنه لم يشر إليها صراحة، في حين تقول الحركة الشعبية لتحرير السودان إن التصويت في الاستفتاء لا يشمل المسيرية لأنهم ليسوا مقيمين إقامة دائمة. ومؤخرا أكد الرئيس السوداني عمر البشير أن حكومته لن تقبل بأي اتفاق لا يضمن تصويت المسيرية في الاستفتاء "وقانون الاستفتاء نص على أن التصويت لقبائل دينكا نقوك والسودانيين الآخرين المقيمين بالمنطقة".