قيادات التمرد يقضون أوقات فراغهم بعيداً عن دارفور في الشهور الأخيرة يدخنون الشيشة ويتناولون وجباتهم في بوفيهات مفتوحة في فنادق الدوحة الفخمة والمفاوضات تمضي ببطء. * اقامتهم تحت رقابة قطر الغنية بالغاز الطبيعي السائل جزء من جهود الحكومة لتعزيز مصداقيتها في الدول الخليجية الأخرى كوسيط مختار في النزاعات الاقليمية والدولية. ..... * ويقول حسن الصادق وهو مفاوض في مجموعة التمرد الرئيسية يقيم في فندق موفيديك الدوحة: «إن قطر مكان جيد للمفاوضات لأن المناخ هنا جيد للتفاوض. انهم لا يسعون لمنفعة في المفاوضات خلافاً لتشاد والأقطار المجاورة الأخرى». قطر التي تجلس في ظل أكبر مصدر للنفط في العالم والمنافس السياسي- المملكة العربية السعودية- ظلت تحاول ابتداع صورة فريدة كوسيط دبلوماسي وصانع سلام في السنوات الأخيرة تتوسط في نزاعات تنشأ في لبنان واليمن وأخيراً في دارفور. براعة الدوحة المالية التي ظهرت مؤخراً بشرائها لمحلات هارولدز اللندنية الشهيرة- مكنتها لتصبح محسناً كريماً. والفضل لذلك يعود إلى الغاز الطبيعي السائل. فقطر بسكانها الذين لا يتجاوزون ال «1،63» مليون نسمة- واحدة من أغنى الأقطار في العالم بأعلى نسبة دخل فردي. الدوحة تكفلت باقامة مئات المشتركين في محادثات دارفور التي تتوقف وتتواصل منذ يناير. ويقول مارك فرحة بروفيسور سياسات الشرق الأوسط بجامعة جورج تاون في قطر «هناك رغبة واضحة لكي تكون قطر في المقدمة في كل المجالات في التعليم أو الإعلام أو الدبلوماسية. ولكونها أكبر مصدر للغاز الطبيعي السائل فإن قوة قطر لا يستهان بها». ورغم أنها حليف لصيق لواشنطون، ورغم إنها تستضيف أكبر قاعدة جوية امريكية في الشرق الأوسط إلا أن قطر لم تتردد في التودد إلى اعداء الولاياتالمتحدة- إيران وسوريا وحزب الله وحماس سعياً للفائدة الناشئة من هكذا تقارب. هذه الدولة الخليجية أيضاً تستضيف فضائية «الجزيرة» التي طالما اغضبت جيرانها العرب وحلفاءها الغربيين. هذه الجرأة أسهمت في نجاح قطر كوسيط اقليمي- فالدوحة طورت قدرة لاشراك كل الأطراف - بدءاً بالولاياتالمتحدة وانتهاء بحزب الله وحتى السعودية وهي عدو قديم وسلطة اقليمية تقليدية. قطر كسبت أيضاً مصداقية في أوساط رصفائها من الدول العربية عندما طردت الممثل التجاري الاسرائيلي من الدوحة عام 2008م في أعقاب القصف الاسرائيلي على غزة. ولدى قطر سوابق ناجحة تعول عليها- تشمل نجاح الوساطة في أزمة لبنان عام 2008م عندما أقنع القطريون القيادات اللبنانية والشخصيات الطائفية للجلوس في الدوحة لمحادثات ساعدت لبنان تجنب حرب أهلية عندما فشلت الجامعة العربية والأمم المتحدة والوسطاء الآخرون- فإن تدخل أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ساعد في إقناع الزعماء اللبنانيين في الوصول إلى اتفاق سياسي وبرهن ذلك ان وزن الدوحة تجاوز الدبلوماسية الاقليمية. ويقول مارك فرحة في هذا الصدد: «إن هذا النصر سحب البلاد من الحافة- وحقيقة ان قطر وهي الدولة الصغيرة تمكنت من تحقيق كل هذا -مدهشة جداً».. النصر الدبلوماسي لم يكن كله مؤسساً على اللطافة والمهارة و لكن الفضل يعود أيضاً إلى الكم الهائل من الأموال. وكما قال أحد الوسطاء فإن قطر ساعدت في تثبيت نجاح تلك المفاوضات بتوزيع «44» مليون دولار على الأطراف اللبنانية المنافسة. قطر التي كان اقتصادها حتى عهد قريب يعتمد على قنص اللألئ البحرية- الآن تمتلك صندوق ثراء سيادي يسيطر ما يقدر من أصول تبلغ قيمتها «70» مليار دولار، ودشنت سلسلة من الاستثمارات الشهيرة- تشمل المنافسة لاستضافة كأس العالم عام 2022م. إضافة لاسهمها في هارولدز فإن قطر تملك أسهماً في شركات عبر أوروبا تشمل سلسلة سوبرماركيت سينزبوري وبورصة لندن وكذلك استثمارات في عقارات لندن، ولكن ابرز مشروع هو برج جسر لندن -وهو ناطحة سحاب عندما تكتمل عام 2012ستكون أعلى مبنى في لندن. الأموال لوحدها لم تكن سبب شجاعة الدوحة الدبلوماسية. ويقول مارك فرحة «انهم لا يطيقون أي عدم استقرار اقليمي لانهم هم أولى الضحايا المحتملين». في حالة السودان فقد وضعت حكومة الخرطوم اتفاقاً لوقف اطلاق النار مع مجموعة التمرد الرئيسية -حركة العدل والمساواة- في قطر في فبراير، كما وقعت اتفاقية اطار عمل لوضع شروط لمحادثات قادمة. بعد أيام توقفت المحادثات ثم تقدمت ولكن بتقطع. قالت حركة العدل والمساواة في مايو في أعقاب اعمال العنف الأخيرة انها جمدت المحادثات مع الحكومة التي كان مقرراً لها ان تستأنف في «15مايو». ولكن كثيراً من المتمردين ظلوا يقيمون حتى الآن في الدوحة.. وحسب أقوال بعض محللين فإنه رغم ان المفاوضات بعيدة عن النهاية- إلا أن حقيقة ان قطر نجحت في استدعاء نحو «30» فصيلاً إلى الدوحة -كانت علامة نجاح. ويقول صلاح الدين الزين من مركز «الجزيرة للدراسات» «التوسط بين أطراف مختلفة- تشاد وليبيا ومصر والجامعة العربية والاتحاد الافريقي والأمم المتحدة -محاولة معقدة جداً. فقد حاولوا توفير مناخ لكل المجموعات لكي تتحد». ويقول محللون: «بينما تحاول الدول المضيفة السابقة لاملاء شروط المحادثات عاملت قطر كل أطراف المفاوضات كشركاء متساويين» ويضيف مفاوض الحركة «حركة العدل والمساواة» أحمد طوبة: «لم نر أي شئ يمكن ان يهدد العملية». تقرير: «رويتر» من الدوحة..ترجمة: أحمد حسن محمد صالح الرأي العام ------