الفنان الكبير عبد الكريم الكابلي فنان محيط بأهم مقومات الغناء.. فهو دارس للغناء الشعبي على مستوى الشعر واللحن والأداء.. ولهذا فهو صاحب ذائقة جمالية قوية الحساسية تجاه أساسيات وجوهريات بنية الأغنية السودانية منذ التركية السابقة والعصر المهدي وصولاً لفترة حداثة الأغنية وتأثرها بتيار الغناء العربي لا سيما في الشقيقة مصر الخديوية ومصر الناصرية.. * من الفولكلوريات التي غناها الكابلي.. «ما هو الفافنوس» .. الموز روا».. ولعلها من حقبة العصر التركي.. وغنى الحقيبة «خليل فرح/ ما هو عارف» .. وغنى لمحمد عوض الكريم القرشي والذي كان يفضل أداء الكابلي لألحانه عن أداء الشفيع، وذلك للتجويد الأدائي المميز لحرفية الكابلي الغنائية.. * فهو إذاً ملحن مزود بكل القدرات التي تبدع بناء لحنياً سليماً ومترابطاً وجذاباً.. فهو ملحن يعرف قدرات الكلمة وطاقتها التعبيرية بوصفها اداة توصيل للخطاب الغنائي.. غناء الكابلي عموماً يعتمد على الصورة الجمالية الشعرية، حينما تغوص هذه الصور وتجول في سماوات الوجدان السوداني عاطفة وفكراً.. وبمقدار هذا التلوين الأدبي يتلون الصوت بين الطبقة الغليظة والطبقة الحادة.. عندما يغني الكابلي الحانه.. لانه هنا يكون اللحن ملائماً لقدراته الصوتية.. وعندما يكون لحنه له طاقات تعبيرية خاصة لا يوفرها صوت الكابلي، فهو حينئذ يعطي اللحن لصوت آخر له مميزاته الذاتية .. وذلك ما فعله مع أبو عركي البخيت في أغنية «جبل مرة». * غنى كابلي أغنيات حسن عطية بطريقته هو «كابلي» فكشف عن ابعاد لحنية ما كانت لتظهر إلا حينما كشفها بادائه الذي يركز على بداية الجملة اللحنية وعلى نهايتها.. إذ كان أداء حسن عطية لا يقف كثيراً عند هذه الخطوط الهندسية الدقيقة في البناء اللحني وفي تراكيب نسيجه الصوتي.. * الفنان الكبير الكابلي هو نسيج وحده.. عندما غنى «سعاد» للدوش.. كان إطارها الايقاعي العام هو «الدليب».. وهو ما يميز غناء الشايقية.. رغم ان الدوش من المتمة.. وذلك لأن وعي كابلي للإطار الثقافي العام للأغنية السودانية ليس هو إطاراً محدداً بحدود جغرافية تاريخية ضيقة.. فصوت الموسيقى السودانية هو صوت يأخذ تميزه وخصوصيته من هذا التنوع الذي يكمن داخل الوحدة القومية .