آخر من كان يتمنى وصول الإخوان المسلمين للحكم في مصر هم أقرانهم بالسودان، فقد كانوا يخشون أن تتسبب الثورة في مصر في كشف حالهم المائل بالتبعية أو بما يُقال له بالأفرنجي في دنيا تكنولوجيا المعلومات by default))، فمصلحة "الإنقاذ" كانت في أن تستمر في حكمنا بهذه الطريقة "الدكاكيني" دون أن ينتبه العالم لما تفعله بنا، ولكن ثورة مصر رفعت عنها الغطاء وكشفت عوراتها، فكل هتاف خرج من الحناجر في مصر ضد "العيّاط" وعشيرته ينطبق بعشرة من نوعه ومقداره على هؤلاء "العيّاطين" الذين يجثمون على صدورنا. الشعب المصري لم يقصّر معنا وقام بالواجب نيابة عنّا وزيادة، وإستطاع أن يقول للعالم – نتيجة تجربة عام واحد - ما عجزنا نحن عن قوله عبر ربع قرن، فتعاطفت معه الشعوب والحكومات العربية (أخطأ تنظيم "الإخوان" التقدير في حساب موقف المناصرة التي وجدها من الولاياتالمتحدةالأمريكية وبعض الدول الغربية والأسباب التي دفعتها إلى ذلك)، فمن بين ما كشفت عنه ثورة الشعب المصري ضد "الإخوان" أننا شعب ليس له وجيع ولا نصير، وليس هناك من يأبه بنا وبحالنا أو يسمع أنيننا أو يحزن علينا، فنحن شعب يحمل كربته لوحده وفوقها رزايا الجيران. في مصر خرجت الحرائر والصبايا وشباب في عمر الزهور ليقفوا في وجه حكم "الإخوان"، وفضلوا الموت بالضرب ب "الشلوت" والدهس تحت الأقدام بميادين الإعتصام على أن يقبلوا بحكم الإخوان، ومع كل شمس أشرقت في أيام الثورة كان يموت منهم المئات، وبرغم أن مصيبتنا – نحن رعايا دولة الإنقاذ – أنكأ وأوجع وأفدح وأدعى بأن تجعلنا نصرخ ونلطم ونثور، فقد إكتفينا بمتابعة ما كان يجري في مصر من أمام شاشات التلفزيون وخطف عقولنا ما فعله ضابط أهوج بحكم الكرة في إستاد شندي، لا وإيه، ولنا لسان نشتم به القنوات الفضائية التي لم تفش غلّنا بما فيه الكفاية. الذي أفزع نظام الإنقاذ من ثورة مصر أنه لم يكن في مقدورها – الإنقاذ - أن تكفّر الذين وقفوا ضد رصفائهم في مصر أو تزايد عليهم في دينهم كما تفعل معنا نحن العوام، فقد وقف ضد حكم الإخوان الإمام الأكبر شيخ الأزهر ومئات من الشيوخ والعلماء المعروفين بالإعتدال والوسطية والبُعد عن مواطن الحكام والسلاطين، وساندهم في ذلك أساتذة وفقهاء في القانون الدستوري والعلوم السياسية والإجتماع ..الخ. كما أن أحداث مصر كشفت أن الذين يجعجعون بالكلام ويهددون هم أول من يطلقون سيقانهم للريح، فهم يعشقون الحياة وما بها من نكاح ومتاع، فقد هرب كل القادة الذين كانوا يحرضون العوام في ميادين الإعتصام بمصرعلى الصمود ومواجهة الموت، وأنكر الذين تم القبض عليهم علاقتهم بتنظيم الإخوان وتبرأوا منهم (هل رأيت صفوت حجازي بعد أن حلق لحيته وشاربه وهو يلعن الإخوان)!! ما الذي جرى لشعبنا حتى يقبل ويصبر على كل هذا الظلم والمهانة لكل هذه المدة!! ما الذي يجعل شعوباً مثلنا تثأر لنفسها من شكّة دبوس بالقدم فيما نقبل نحن بغرز مسمسار مدبّب في رأسنا ونحن في هذه الحالة من الخنوع والإستسلام!! ما الذي فعله حكم "العيّاط" بالشعب المصري حتى يثور في وجهه كل هذه الثورة ويقدم أرتالاً من الشهداء ويخرج بالملايين للتعبير عن رفضه لحكمه!! هل قام – العياط - بفصل صعيد مصر !! هل ضرب شعبه بالطائرات !! هل رمى بنصف شعبه خارج سوق العمل للصالح العام أوبسبب الخصخصة وبيع مؤسسات الدولة !! هل باع حديقة الحيوان بالجيزة ليقام عليها فندق أهلي !! هل تقاسم الكبار والوزراء الساحات والميادين بالدقي والمهندسين والعباسية فيما بينهم وأقاموا عليها الفلل والأفران، هل قام بتدمير المشاريع الزراعية والصناعة في مصر!! ما الذي ننتظره من الإنقاذ لتفعله بنا حتى نثور في وجهها!! ما هي درجة المهانة المطلوب أن تصيبنا حتى نتحرك!! أموالنا وسرقوها، أرواحنا وأزهقوها، أرزاقنا وقطعوها، الفقر عشعش في بيوتنا، والمرض فتك بأجسادنا، والحرب تحصد أرواح أهلنا، فما بالنا نسلّم رقابنا لرجال مثلنا ونخشاهم !! لقد أهدرنا من الوقت ما يكفي، وليس من المقبول أن نظل نلطم في وجوهنا ونشكو حالنا لأنفسنا دون أن نفعل شيئاً، فليس هناك عار علينا بأكثر من أن يكون الذي وُلِد يوم بدأت شكوانا من هذه الجماعة قد تزوج اليوم وأصبح لديه هو الآخر عيال يتشاركون معنا الشكوى، فنحن شعب لا تنقصه الشجاعة ولا الإرادة، وقد فتحت الثورة المصرية عيوننا على حجم المصيبة والكارثة التي نعيشها بما يكفي، فالثورة عندنا هي بداية المشوار لا نهايته، فلن يهنأ لشعبنا بال قبل أن يقتص من الذين ظلموه وسرقوا خيراته ، بل، قبل أن نسترد ما سرقه هؤلاء اللصوص على داير المليم. سيف الدولة حمدناالله [email protected]