د.الشفيع خضر سعيد الشعب السوداني قادر على إقتلاع أي سلطة تقف في طريق عيشه الكريم... ولا حياة مع اليأس. . تعليقات حكام الإنقاذ تعكس دائما نظرتهم تجاه الشعب، فهم ليسوا خدامه ورعاته ، بل هم سادته الذين يريدون مواصلة الصعود على أكتافه إذا وضعت الحرب أوزارها وإنقضى للديمقراطية أمرها كان يمكن ان نتفهم الحراك السريع لوفد حكومي رفيع وسط صفوف المعارضة، طالبا المشورة حول أزمة إقتصادية لا يمكن إخفاؤها، أو (غطغطتها)، وطالبا التفهم والدعم لقرارات بشأنها. وللأسف هو سلوك متكرر درجت عليه الحكومة كلما ضاق عليها الخناق، بسبب أفعالها في السياسة والإقتصاد. فكلما إشتد عليها الأمر، تلجأ الحكومة للمعارضة والشعب وكل المستبعدين، وتطلب علاقة طبيعية في وضع غير طبيعي، بل إستثنائي وشاذ. إذ كيف يطلب منك من يستبعدك في قرارات شن الحرب، ثم يستبعدك من المشاركة في أي مجهود لوقفها، ويستبعدك من كل المفاوضات التي يرعاها المجتمع الدولي والإقليمي حول الشأن السوداني المتأزم، بل ويخشى حتى مساهمتك في درء الكوارث الطبيعية...، كيف يطلب منك أن تدعم قراراته الإقتصادية التي يدرك تماما أنها ستصيب الجماهير بمزيد من الأذى والضنك، والتي ربما تدفع بالجماهير للنهوض ضده وهو عين ما تتمناه المعارضة؟! وهكذا، عند إستفحال كل أزمة، تسقط الحكومة عن ذاكرتها كل ممارساتها في تهميش المعارضة، وفي القمع والمنع والرقابة على الشعب، وفي تضييقها على الرأي الآخر المعارض ومصادرتها للصحف ومنع صدورها...، وتتذكر فقط كيف تورط المعارضة في الأزمات التي تصنعها بيديها، وكيف تبطل مفعول أي مقدمات لهبة جماهيرية قد تستطيع المعارضة إستثمارها. أما إذا أردنا وضع المسألة في إطار يصلح للتعامل الذهني، فإن لجوء حكومة الإنقاذ إلى المعارضة لا يمكن التعامل معه بمعيار الإيجابية أو السلبية للدفع بالإستقرار في البلاد، كما جاء في حديث أحد القادة، وإنما وفق معايير الإتساق والتناقض في طبيعة العلاقة القائمة بين المعارضة والحكومة. والمنطق البسيط يؤكد أن لجوء الحكومة المتكرر للمعارضة في اوقات الشدة والملمات، يؤكد صحة موقف المعارضة في طرحها للمؤتمر القومي الدستوري كمخرج أساسي للبلاد من أزمتها المتفاقمة. لكن، ذات المنطق البسيط يؤكد أن الحكومة تلجأ للمعارضة وفقا لأجندة لا علاقة لها بالحلول الشاملة والدائمة للأزمة البلاد، وإنما وفق أجندة مكررة تريد أن تفرض مسكنات ومهدئات وقتية حتى تمر العاصفة. وإذا كان قادة الإنقاذ يرون ثمة أهمية للمعارضة في القرارات المتعلقة بمصير الشعب والبلاد، على عكس ما ظل يصرخ به بعضهم، فعليهم إكتساب شجاعة الإعتراف بأن إختراق جدار الأزمة، يشارك الجميع في صنعه، ومن باب أولى رضوخهم لآلية المؤتمر القومي الدستوري الذي لا يستثنى أحدا أو قضية، بدلا من مناورة طرق الأبواب على إستحياء، وبوساطة من يظنونه مقبولا عند المعارضة. بعد تقلص واردات البترول، إثر إنفصال الجنوب ثم الأزمات المتكررة مع دولة جنوب السودان، ظل قادة الإنقاذ يكررون القول بأن الوضع الجديد لن يسبب أي مشكلة، وأن البلاد في مأمن من أي أزمة إقتصادية عميقة. والآن تبرر الحكومة قرارها رفع أسعار المحروقات بحجة ديونها المتراكمة والمستحقة لصالح شركات البترول العالمية وغيرها. والسؤال هو: أين صرفت الحكومة أموال الدولة البترولية؟... الحكومة لا يمكن أن تقنع أحدا بأن ديونها تراكمت بسبب الصرف على الشعب. فواقع الحال يقول أن تلك الديون لم تكن لأجل رفاه الشعب الذي ظل يدفع للعلاج والتعليم وكل الخدمات، وبأسعار خرافية متصاعدة. والمواطن البسيط، في أي من بقاع السودان، يستطيع أن يكتب قصة عن الفساد وعن أصحاب الأموال الجدد وكيف هبطت عليهم الثروات. أما إذا تكلمت الحكومة عن السدود والطرق والكباري، فالقصة أوضح من أن تشرح. ويظل السؤال قائما: أين إذن ذهبت تلك الأموال البترولية: في تمويل الحروب الأهلية؟.. في تمويل الدفاع عن سلطة الحكومة وقمعها لمعارضيها؟.. على جيوب الإنقاذ وإقطاعياتها الخاصة؟... وفي كل مرة تصل الأزمة الإقتصادية إحدى قممها الأعلى، تطرح الإنقاذ خيار ترشيد الإنفاق الحكومي وأن يتقشف الشعب. ولكن، ما بين أن التقشف والترشيد كان خيار الإنقاذ دائما أن يتقشف الشعب، حتى ولو وصل هذا التقشف مرحلة الموت جوعا. قبل أكثر من عام، وعبر لقاء تلفزيوني، طلب رئيس الإنقاذ من الشعب أن يستحمل ويشد الحزام على البطن لمدة عام واحد بعدها سيرى الفرج والهناء...! ولكن حتى اللحظة ما زال الحزام مشدودا حتى مزق البطون. وها هو الرئيس يكرر قبل أيام نفس النداء طالبا من شباب "المؤتمر الوطني" الصبر حتى العام 2015. وحكومة الإنقاذ تحاول إقناعنا بأن الحلول المطروحة لمواجهة الأزمة الإقتصادية التي تفاقمت بسبب سياساتها، هي إما أن تتسول الحكومة، أو ترفع أسعار السلع الأساسية، كالمحروقات، تحت غطاء رفع الدعم الحكومي عنها والذي هو غير موجود أصلا. ولكنها تخجل وتترفع عن التسول والشحدة، كما قال أحد قادتها. أي أن قادة الإنقاذ يقبلون أن يموت المواطن جوعا على ان تنزع مزعة لحم من وجوههم النيرة. لكن، هذا النوع من الخطابات السياسية معروف في مطابخ الخطاب السياسي الكاذب. فحكومة الإنقاذ ظلت تتسول على أعتاب الحكومات العربية والغربية طوال الأعوام الماضية. وتعليقات قادة النظام على فقر وجوع الشعب مليئة بالعديد من فقرات هذا الخطاب، حيث ستجد تعليقات من نوع: "أكلو كسرة، الجالوص ممنوع، أرجعوا إلى قراكم وكفى الخرطوم شرا، لولا الإنقاذ ما عرفتم موية الصحة، الشعب السوداني متعود على الرفاهية...!!. من يأتي بمثل هذه التعليقات وهو في موقع الحكم والمسؤولية، لا يمكن أن يقنعنا بخجله من التسول. وفي الحقيقة، المسألة لا علاقة لها بالتسول، ولكنها تكمن في السياسات والممارسات الخاطئة التي دمرت أيضا علاقات السودان الخارجية، ففقد الصديق وقت الضيق. وللغرابة، فإن قادة الإنقاذ الذين يدعون الخجل من التسول، هم نفس الحكام الذين لم يشعروا بذرة من الخجلوبلادهم تغرق بيوتها وشوارعها بسبب خريف يأتي في زمن معروف كل عام. ولم يشعروا بالخجل والخرطوم تبحث عن وسيلة المواصلات المناسبة بين شروني وجاكسون وبصات الوالي ولا شيئ يفيد. بل إنهم لم يشعروا بأي خجل وعدد المفقودين والأسرى والموتى والمهاجرين يكاد يفوق عدد الموجودين في السودان الآن؟! إنهم يخجلون فقط من ان تصبح جيوبهم خاوية وتتقلص قدرتهم على الصرف على خلصائهم، وينفضح أمر الصرف على الأجهزة الأمنية لأن أفراد هذه الأجهزة هم جزء من الشعب ولا ينوبهم كثير من الخير الذين يسدونه لهذا النظام. إن تعليقات حكام الإنقاذ تعكس دائما نظرتهم تجاه الشعب، فهم ليسوا خدامه ورعاته، كما يقول الدين وتقول السياسة، بل هم سادته الذين يريدون مواصلة الصعود على أكتافه. لذلك، لا يضير أن يحتمل الشعب، الذي أسقط اللحم واللبن والفواكه من بنود صرفه، مزيدا من الأعباء تدفع بمزيد من الشباب للموت في عرض البحار وهم يهربون إلى المنافي في الآراضي الجديدة، أو تدفع بآلاف الكفاءات للهجرة إلى بلدان أخرى يشعرون فيها بإنسانيتهم، ليبقى قادة الإنقاذ يحكمون ويكررون نفس الأخطاء. القول واضح: إذا كانت الحكومة قد أفلست بسبب مديونيتها لشركات البترول العالمية وغيرها، فلترحل وتسلم السلطة للشعب. هناك من ابناء هذا الشعب من يجيد وضع الحلول المناسبة دون أن يرهق كاهل المواطن البسيط. أما القول الفصل فهو: الشعب السوداني قادر على إقتلاع أي سلطة تقف في طريق عيشه الكريم... ولا حياة مع اليأس. الميدان