إستشهد بالرصاص الحي بالأمس إبن خالة والدي وهو شاب ممتحن للشهادة السودانية. وبالمثل إستشهدت أحد قريبات والدتي وهي خريجة كيمياء تسكن في الدروشاب. وكسرت رجل إبن أحد معارفنا الذي صدمته سيارة شرطة بمدني. هذه ثلاث حالات من المحيط القريب فقط. إذن هذا يدل على مستوى القمع الرهيب لهذه التظاهرات. فما أطهر ما مهرت من دمك أيها الباسل المغوار. ما أعظم ما زكيت به من جسدك وجهدك ومالك ووقتك أيها القائد المقدام. ما أشرف ما تشرفت به من شهادة أيها الجسور يوم اللطام. ما أفضل ما قدمت من نفيس لحسن الختام. فأمضى يا خالد فلا خوف عليك ولا ندام... لا، لم ولن أجد كلمات تعبر بصدق أكثر من قلب أم وهى تروي صبرها وتقدم النصح بعد إستشهاد إبنها. تقول أم الشهيد: (كان يصبرنى ويشعرنى بالحنان دائما ويقول إن النصر قريب. نزل للإحتجاج مسالما كبقية إخوانه ليقول قولة حق ويعبر عن رفضه للطغيان و الظلم والقهر. لم اخف عليه من بطش الظالم الرعديد الجبان لأني على يقين بان إبنى ومن معه على الحق والله سينصرهم بالتأكيد. كنت أتابع دايما معهم بالتلفون هو وإخوانه. إنت وين؟ شدوا حيلكم .. ربنا معاكم .. الله يصبركم .. الله ينصركم. أنا فرحانة بيكم ... فالحمد لله الحمد لله الحمد لله. ولدي ما مات .. وأنا شايفة كل أبناء جيله هم إبنائي .. أنا حاسه أنا لم أفقد إبنى... وجاءني الخبر ولم أصدق حينها. احسست بصدري ثقيل وتنهمر عليه شلالات من القلق وفى حلقي غصة مرة بطعم الحنظل وعيناياى ترقرقان خوفا من سقوط سحب الحزن السوداء الملبدة فى سماء ناصيتي. ثقلت قدماي وانا أهرع للمشفى للتأكد من الخبر. ولكن إنقشع كل هذا الأسى الدفين الذي كان ينتظرنى بمجرد ما رأيته. جاءنى الصبر عندما دخلت عليه فى المشرحة ووجدته ممدا فى ذلك السرير الحديدي الضيق الذى بالكاد يسع جسده النحيل. رأسه وثيابه مخضبة بالدماء بالكامل. جاءنى صبر عجيب. إرتميت على صدره ووضعت خدي فى حضنه وقبلته ودموعي تنسكب. فأحسست بإيمان عميق وسلام غامر... ثم إطمئنان وسكينة. وأحسست بصبر جميل..وثبات.. بل وعرفت معنى كيف هو الصبر الجميل. فكيف لا وسمعت فؤاده يخبرني بأن "لا تحزنى يا أمى فإن نفسي مطمئنة راضية برضاك عني يا أمي، وهى راجعة لبارئها مرضية". فالحمد لله أن ألهمنى وأعطاني الله تعالى كل هذا الصبر بعدما شل الخبر أحاسيسي. ولكن الله معي لأني متأكدة ان الله يحبه فعلا لأنه كتب له الشهادة. والحمد لله إبنى عمل العليهو وكان ضحية ليعيش غيره بكرامة. ولا أقدر أن أوصف لكم كمية سعادتي و كيف أحس برحمة ربنا الكبيرة بي. فأملي بس أن يطيل الله فى عمري وأن يوفقكم حتى أرى البلد كما تمناها ولدي. ولكم منى خالص دعواتي). فهذه رسالة من أم أي إمرأة إستشهد لها فلذة كبدها في هذه التظاهرات. علينا أن نتقيد بالتظاهرات السلمية وضبط النفس حتى تبدو صورة الثورة أكثر حضارية إلى أن نسقط هذا النظام الغاشم ونحقق أهداف الثورة في بلد حر ديمقراطي ونحقق أمل أمهاتنا. وهذه رسالة قوية جدا لهذه الطغمة الحاكمة ولكل من تسول له نفسه ويتصور أنه سيكسر ويخرس إرادة الشعب السوداني البطل بكل الوسائل أقذرها وأقذعها وأفظع الأساليب إنه لن يقدر بل إنه واهم لأن هؤلاء البواسل أنجبوا من بطون هؤلاء العفيفات الطاهرات. ورسالتي ونصيحتي لكم يا طغاة ولكل الطبالين والمنافقين والمجرمين و يا من تحمون الظالمين لا تضعوا أنفسكم فى مواجهة هؤلاء الأمهات الباسلات الصابرات. فصبرهن وقوتهن وعزتهن وعزيمتهن وإيمانهن بالله عز وجل أكبر من كل شئ في هذه الحياة. وإيمانهن بقضية أبناءهن وبناتهن وجيلهم يمكن أن تسقط عشرة من أمثال طغمتكم الحاكمة الظالمة ومن يساندكم من أخوان الشياطين وكل من وراءكم وأمريكا وكل ما تنبطحون له. ونصيحة خاصة لك يا عمر وكل من حولك أن ترحلوا بالحسنى وتغربوا فى الحال وتقدموا أنفسكم للحساب وتتقوا دعوة الأم المكلومة المظلومة الصابرة عليكم فإن دعوتها ليس بينها وبين الله حجاب. فتالله لن تسلموا منها. و والله إنها لتصيبكم في الدنيا قبل الأخرى. والله أكبر ولا نامت أعين الجبناء. ...وإنها لثورة حتى النصر بإذن الله.. والله مع الصابرين والصابرات.