قبل تسعة اعوام من الان وبالتحديد في عام 2004 تاريخ دخول البروتوكول المؤسس للمحكمة الافريقية حيز النفاذ , و بإيمان ضعيف من قبل معظم القادة الافارقة وقتها بمفهوم العدالة , و على نحو مخادع , أنشأت المنظمة الافريقية , محكمة لحماية حقوق الإنسان والشعوب "المحكمة الإفريقية" , وبدأت أعمالها في أديس أبابا مؤقتا في نوفمبر 2006، , و بعد عام واحد انتقلت إلى مقرها الدائم في أروشا بتنزانيا, تعتبر هذه المحكمة من افشل المحاكم الاقليمية ,اذا ما قارنها بمثيلاتها, مثل محكمة الاتحاد الاوريى , و محكمة الدول الامريكية , و اثبتت طوال فترة عملها ,انها آلية شكلية , و نوع من التقليد المظهري في مجارات الامم المتحضرة. تطبق المحكمة الافريقية أحكام الميثاق الأفريقي , وينص الميثاق على أن مصادر القانون السارية بغرض مراقبة تنفيذ الميثاق , هي القانون الدولي لحقوق الإنسان والشعوب , وبشكل خاص أحكام الصكوك الإفريقية المختلفة بشأن حقوق الإنسان وحقوق الشعوب , وميثاق الأممالمتحدة وغيرها من الصكوك التي اعتمدتها الأممالمتحدة , يوجد اربع وخمسون (54) دولة عضواً في الاتحاد الإفريقي, وقد صادقت جميعاً على الميثاق , ولكن لم يصادق على بروتوكول المحكمة سوى خمس وعشرين دولة , بمعنى اخر ,ان اكثر من نصف الدول الافريقية غير مقتنعة بفكرة المحكمة , و لا ترغب فى الخضوع لولاياتها و سلطتها القضائية. من الواضح ان هذه المحكمة احدى التمويهات و الخدع ,التى مازال الحكام الافارقة يمارسونها لتضليل المجتمع الدولى , و محاولة الظهور فى ثوب الحامي و الحريص على حقوق شعوبهم , لذلك ولدت كسيحة و بقدرات و سلطات محدودة , كنتاج طبيعي لقرارات اتخذها تحالف من اللصوص و المجرمين بينهم فئة قليلة من الانقياء , و المراقب يجد , ان الاتحاد الأفريقي , هو اكبر منتدى للدكتاتورين و المنتهكين لحقوق شعوبهم, والذين قدموا الى السلطة عبر فوهات البنادق , بعد ان حرضهم البغض العنصري او الهوس الأيديولوجي , او حتى دعاوى نبيلة لأجل الحرية و الانعتاق ,ليمنحوا انفسهم حق ممارسة ابشع صور الانتهاكات و قتل ملايين المدنيين فى بلدانهم. رؤساء امثال , لورن باغبو , موسيفينى , افورقى , البشير , القذافي , مبارك , تيلور , موكابى , ادريس دبى و غيرهم , كانوا و لازال بعضهم يمثلون بلدانهم فى اجتماعات الاتحاد الأفريقي , فمن الطبيعي ان رؤساء كهؤلاء يرفضون انضمام بلدانهم لهذه المحكمة (الافريقية) , و يعرقلون جهود تفعيلها , و اذا نظرت الى قائمة الدول الموقعة على برتوكول المحكمة الافريقية , لا تجد من بينها اسماء لدول مثل السودان , اثيوبيا , ارتيريا و تشاد , اما دول مثل ليبيا و يوغندا , انضمتا للمحكمة لمعرفتهما بضعف و عجز الآليات الافريقية عن مواجهة أي مسئول رفيع المستوى بجرائمه ناهيك عن رئيس دولة. و الجدير بذكر ان القارة الام لها تاريخ حافل بحماية و تحصين الجناة , لقد شاهدت الشعوب الافريقية و بحزن بالغ , افلات حكام سابقين من الملاحقات الجنائية بعد اذاقوا شعوبهم صنوف من الويل و العذاب , منهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر حرا تليقا , نذكر منهم على سبيل المثال , نميرى , عيدى امين , منقستو , بن على و حسين حبرى , و هذا الاخير , هناك دعوى فى مواجهته بمحكمة "بروكسل" , بشان ما ارتكب من جرائم ابان فترة حكمه فى تشاد , الا ان الدولة الافريقية التى احتضنته رفضت تسليمه للمحكمة . هذه الايام اظهر الحكام الافارقة نوع جديد من الالتفاف على العدالة و عدم الاكتراث بمعاناة الضحايا من شعوبهم , استنادا على حجج ممجوجة يتهمون فيها المحكمة الجنائية الدولية بازدواجية المعايير , و تسيس الاجراءات , و التى يظنون انها تستهدفهم بشكل انتقائي دون غيرهم من قادات العالم , فقرروا بشكل جماعي الوقوف فى صف الجلاد ضد الضحية , بتبنيهم لنداء و اجراءات تشجع على عملية الإفلات من العقاب , من خلال القمة الافريقية الطارئة المنعقدة هذه الايام باديس ابابا , و التى تعتبر اسوء قمة طارئة على الاطلاق من حيث الاجندة , بدعمها لعدم سيادة القانون , وتقوض اجراءات الوصول للعدالة , فبعد ان فشل الاتحاد الأفريقي او منظمة الوحدة الافريقية سابقا فى تفعيل محكمته المحلية , وتفضيل الصمت حيال الانتهاكات الفظيعة لحقوق الانسان ,التى كانت و لاتزال تعانى منها القارة الام ,و اليوم تتوج مسيرة خذلان شعوبها , بتبني مشروع تعطيل المحكمة الوحيدة التى حاولت سد فراغ العدالة الجنائية الذى تعيشه القارة . لقد اعادت المحكمة الجنائية الدولية الامل الى شعوب افريقيا فى ان لا تتكرر مشاهد هرب و جرائم مماثلة , خاصة بعد ان نجحت فى ادانه , مجرم الحرب , الكنغولى توماس لوبانغا و الان تجرى المحكمة النظر فى قضايا ضد كل من , الرئيس العاجى السابق لورن باغبو , الرئيس الكينى الحالي كنياتا , سيف الاسلام ابن الرئيس الليبى السابق , بوسكو نتاغاندا القائد الكنغولى , فضلا عن اصدارها اوامر توقيف بحق البشير و اعوانه , و جوزف كونى و اعوانه. يتمثل هدف الحكام الافارقة من اجتماعهم الاخير , تبنى مشروع قرار ينص على "لا يجوز لاي محكمة او محكمة دولية توجيه تهمة او ملاحقة اي رئيس دولة اثناء ممارسته مهامه", فى محاولة لتحصين البشير و انفسهم من المحكمة الجنائية , من غير مراعاة لشعور ضحاياهم من الشعوب , و ما لا يعرفه القادة الافارقة ,ان الرئيس يفقد شرعية تمثيل شعبه , بمجرد انتهاك حقوقهم و معاملتهم على اسس تبنى على تمييز بناء للعرق و اللون و الدين, و ان هذه القمة تناهض تطلعات الشعوب الافريقية فى التمتع بما يسمى حقوق الانسان ,و هى سباحة عكس تيار الثورة الكونية للحقوق و الحريات , و بذلك يكون الرؤساء المشاركين فى هذه القمة و الاتحاد نفسه فقدوا شرعيتهم فى تمثيل شعوب القارة . نجاح الحكام الافارقة و اقرانهم من المجرمين, فى مسعاهم باتخاذ قرار يطالب المحكمة الجنائية الدولية , بوقف الملاحقة القضائية فى حق الرئيسي السودانى البشير و الرئيسي الكينى كنياتا , و رغم عن فشلها فى تبنى قرار يقضى بانسحاب الدول الافريقية ال(34) الموقعة على ميثاق روما , الا انها تعتبر بكل المقاييس خطوة عظيمة الى الوراء , و لا يستبعد ان تتخذ قارات اخرى خطوة مماثلة , و بذلك سوف تنسف عقود من النضال المستميت من قبل دعاة العدالة و الانصاف لتأسيس نظام عدالة جنائية دولى تمثل فى انشاء المحكمة الجنائية الدولية , انها ايضا قد تفتح الابواب مشرعة لمشاهدة فظائع اخرى على مستوى القارة فى المستقبل , و قد تكون اسوء من فظائع رواندا و دارفور . و من المرجح ان الدبلوماسية السودانية و صديقاتها التى تمثل الانظمة الشمولية و الدكتاتورية المشابهة لنظام الانقاذ, قد بذلت جهود جبارة لتنظيم هذه القمة الانتكاسة , و ان قبول الاتحاد الأفريقي بعقد هذه القمة و انشاء لجنة برئاسة رئيس الاتحاد لممارسة ضغوط على مجلس الامن الدولى لتأجيل الاجراءات القانونية ضد القادة الافارقة المتهمين فى جرائم حرب و ابادة , يكون بذلك قدم الاتحاد الأفريقي صك مفتوح للبشير لمواصلة ما بدأه من جرائم و ابادة جماعية , و بشكل مؤقت تكون قد اجهضت الامل الوحيد الذى كان سوف يقتص لضحاياه فى دارفور و بقاع اخرى من السودان. محمد حسين 13 اكتوبر 2013 [email protected]