فن الشارع يكسر حواجز الأمكنة التقليدية ويصل الى المتلقي العادي، مغيرا النظرة التقليدية تجاه الفنون. تونس - من سيماء المزوغي الفن ليس له حدود يعتبر فن الشارع أحد الفنون البصرية التي نمت في الأماكن العامة والشوارع وهو فن غير رسمي ترعرع ونشأ متمرّدا ثائرا خارج المؤسسات الثقافية والحضانات الحكومية، وقد ضمّ مزيجا من أشكال التعبير الفني مثل فن "الغرافيتي" وفن النحت والتصوير الفوتوغرافي في الأماكن العامة وفنون التعبير الجماعي والفنون الحركية كالرقص والتعبير الجسماني وغيرها.. الثقافة على قارعة الطريق شهد فن الشارع ازدهارا وانتشارا إبان ثورات الربيع العربي، إذ يهدف إلى تحقيق التواصل بينه وبين المواطن البسيط، فقد كسر فنانو الشارع ذلك البرج العاجي وأنزلوا الفن على أقدامه ليصافح العالم والجاهل الغني والفقير المبالي لقضايا وطنه وشعبه وغير المبالي. عديدة تلك التظاهرات الفنية التي تصبّ في خانة "فن الشارع"، في مصر وتونس ولبنان، تظاهرات جمعت شبابا هاويا ومحترفا عبّر بالكلام أو بالغناء الموزون أو المقفى أو الحرّ.. تظاهرات تجمع أصحاب المواهب للخروج إلى الشوارع وعرض مواهبهم أمام الناس، حيث جعلت الشارع فضاء مفتوحا للتجارب الفنية والثقافية المختلفة.. لقد وصل الفنان الهاوي أو المحترف فنه بالناس لأن الشوارع ملك كل الناس وهناك من يرى أنه من الواجب أن تُحتل الشوارع وتملأ بالفنون حتى نبتعد عن الرتابة وندفع بمستعمليها بأن ينخرطوا في لعبة الثقافة والفن ثم بالوعي بأهمية المرحلة السياسية والإجتماعية الراهنة التي تعيشها مدينة ما فالفن يجب أن يطرق فكر وخيال واهتمام أيّ مواطن دون استئذان، ففنون الشارع هي هموم وصراع وأحلام وأماني وتطلعات وتوقه نحو الأفضل.. تلقائية وعفويّة فمشروع ثقافي ترى ألفة خالد وهي موثقة من تونس ساهمت في تنظيم العديد من التظاهرات: "إن المواطن العادي غير قادر على حضور العروض في إطاراتها التقليدية لأنها غالية الثمن نوعا ما، ولأن الإنسان المعاصر لا يملك الكثير من الوقت حتى يرتاد هذه العروض لذلك نزل الفن إلى الشارع، ولأن المواطن أيضا معني بما يدور حوله فوجبت توعيته وتنبيهه وجعل الأغلبية الصامتة تتكلم وتعبر وتناقش وترفض وتثور". وأضافت : " فنون الشارع بدأت تكسب الرهان، فلقد قام المولعون بالفنون بتنظيم التظاهرات الموسيقية في الشارع ورتّبنا لتظاهرة "احتلال شارع بورقيبة" ودعونا الجميع عبر موقع فايسبوك وقمنا بعرف وغناء عديد المقطوعات الثائرة والملتزمة بقضايا الإنسان والوطن والوجود والحياة باللهجة التونسية.. وكان التجاوب رائعا مع رواد شارع الحبيب بورقيبة، وهو من أكبر شوارع تونس، لكن ما راعنا إلا هجوم الشرطة على الفنانين وقتها وتمّ طردهم بدعوى أن هذه التظاهرة غير مرخصة، فهل يجب أن يتحصل الفنّان على ترخيص حتى يعزف في الشارع؟ نعم هذا هو المطلوب يجب أن ينزل الفن إلى الشارع حتى يعيش المواطن الفن وهذا أحد أبرز أهداف جمعيتنا التي تسعى لجعل التونسي يعيش للفن وبالفن". الثقافة بعيدا عن السياسة عبّرت مجموعة من الشبان الذين نظموا تظاهرة "تونس تقرأ" وهي تظاهرة دعت إلى الخروج إلى الشارع والمطالعة في أي مكان عام عن استعدادهم المطلق لإعادة هذا الحدث فهذه التظاهرات تعوّل على الثقافة بعيدا عن السياسة من أجل إسعاد الناس وتغيير طريقة تفكيرهم ورؤيتهم للعالم عن طريق الكتاب.. علاء اليعقوبي المعروف ب (ولد 15) هو أحد مغني "الراب" الشبان أنشأ مجموعة غناء هاوية تقوم بالعروض في الأماكن العمومية، قال علاء: "لقد واكبت كل التظاهرات الفنية في الشارع وشاركت فيها رفقة أصدقائي وغنّينا فيها أغانينا الخاصة التي تتغنى بمشاكل الشباب وبتطلعاتهم، وأعتقد أن تشكّل الأحداث السياسية الأخيرة في تونس قوة دفع جديدة لأشكال وأساليب فن الشارع بصفة خاصة، إذ أن مختلف الفنون تستجيب لروح الشباب وتخرج الفنون من الرتابة والعروض النمطية وهذا لا يُنقص من أهميتها ". بديل ثوري لطالما عبّر فنانو الشارع عن النظرة الجديدة للفنون عن طريق وضع أعمالهم في بيئة مفتوحة، فقد رأوا أنّ الفن ليس له عنوان لا في البرج العاجي ولا في الشارع، فالفن يجب أن يكون في كل مكان و أن مكانه الطبيعي هو الشارع، لأنه عاد إليه من جديد فقد كان مسلوبا من الفنان والمواطن العادي، لا يسمح للفنان بالتصوير ولا بالقيام بأي نشاط فني يمكن أن يدفع الناس للتفاعل والنقاش، وجاءت ثورة 14 جانفي فحررت الشارع من براثين السلطة فأخطر شيء للسلطة الدكتاتورية أن تنزل للشارع كفنان وتعرض فنك للناس.. وقال علي بالهادي "أنا أتفاعل مع فن الشارع كثيرا وأرى أن أغلب التظاهرات التي وقعت هي قريبة من الاحتراف أكثر منها للهواية. إن هذا الفن خارج من صلب الشارع ويصب في عمق الشارع ولا يعتبر هذا إساءة للفن ولا تقليلا من أهميته، لكن أظن أن الفنون في شكلها القديم تبقى هي الأصل لأن الذهاب إلى المسرح والسينما والمعارض التشكيلية والحفلات الموسيقية تنتمي في حدّ ذاتها إلى طقوس فنية قيّمة.. لكنّني أيضا مع التحام الفنّ بالجماهير.. " ولا ننسى أنّ في العهود القديمة كان الرومانيون يقومون بعروضهم المسرحية في الشوارع والساحات العامة، كذلك كان الفلاسفة يخاطبون شعوبهم في الشارع على غرار سقراط الذي كان يتجوّل من مكان إلى آخر للقيام بالمناظرات الفكرية والمحاضرات، لكن سرعان ما تحولت الفنون إلى نخبوية وجلست على عرشها المتعالي في برجها العاجي. يُعتبر فن الشارع منصة مؤثرة للوصول إلى الجمهور، فأغلب الفنانين يبشرون بقضايا اجتماعية وسياسية ويعتبرونه وسيلة لتحدي نقائص النظام والتعبير عن يقظتهم ورفضهم.. نشأ فن الشارع خارج الأطر المعتادة وازدهر بعيدا عنهما ففتح المجال أمام الشباب الموهوب ليحوّل الشارع الصامت إلى نبض حي ينطق بلغة يفهمها كل الناس.