قبل وصولنا نهار الاربعاء الي منزل اسرة الشهيد عصام محمد بخيت عبد الجباربالثورة الحارة 76 يوم امس الاربعاء الموافق السادس عشر من الشهر الجاري ضلينا طريقنا الي المنزل ساعتها هاتف مبارك موسي الذي كان يرافقني والدة الشهيد رجاء موسي فارسلت لنا في الحال ابنها الاصغر عبد الناصر الذي استقبلنا بالطريق ومن ثم قادنا الي منزلهم الذي طوته موجة من الحزب الكبيرساعتها رددت تلك الابيات التي قالها شاعر الشعب محجوب شريف بتوقيع حمل تاريخ الخامس عشر من الشهر الحالي وهو يقول فيها : عيد شهيد وكل قطرة دم نشيد تلو النشيد باكر قريب جدا أكيد الشعب حُر والعيد سعيد داخل المنزل قابلنا اشقائه فصافحناهم واحد تلو الاخر انطباعي وقتها انهم اقوياء وصامدون بالرغم من اهوال وصدمة فقدهم لشقيقهم ومن ثم تم ادخالنا الي غرفة اخري هناك كانت الحكاية حيث وجدت امراة عظيمة مثل كل نساء بلادي في الريف ومعسكرات النزوح بالداخل والخارج ومثل الكندكات في تلك الجبال العصية علي التسلق ومثل المراءة الدارفورية التي مازالت صامدة نحو اكثر من عشرة اعوام وهي تواجه الطغاة ومثل اهل التاريخ والسلطنة الزرقاء المراة بالنيل الازرق ومثل نساء مناطق السدود بولايتي الشمالية ونهر النيل ومثل كل النساء الاتي يتم لمهن واهانتهم بالقوانين ومثل فاطمه احمد ابراهيم وخالدة زاهر وامال عباس ومثل امي العظيمة خير منو الله جابو كانت رجاء قوية وصامدة وصلبة كصلابة الحجارة بالرغم من فقدها لابنها العزيز الشهيد عصام الي جانب وجود زوجها وشريكها خارج السودان كانت رجاء تتحدث بحزن عميق وهي تروي بصوت الام التي احرق حشاها لفقدها الجلل كلماتها كانت مثل ذاك الرصاص الذي هتك قلب ابنها البار بعيار ناري بحسب الافادة الطبيةالمدونة في تصريح دفن الجثمان وهي تقول لي في هذا السرير كان عصام ينام هنا في اشارة الي ذات السرير الذي كنت جالسا عليه ،وعندما قلت لها كيف استقبلتي نباء استشهاد عصام قالت لي يوم الثلاثاء الموافق الرابع والعشرون من سبتمبر الماضي كنا نتحدث مع شقيقي المقيم بدولة ليبيا عبر الهاتف ،لكن هرولة ابني الصغير عبد الناصر وهو يصرخ ويقول لي (امي امي عصام انضرب في المظاهرات في التقاطع ) وتضيف انها القت بالتلفون واسرعت الي خارج المنزل برفقة شقيقتها الي مستشفي النو با مدرمان حيث ظلت تبحث عن مكان ابنها ولا اجابة فالمكان غارق بالدماء وعنابر المستشفي ومكاتبها تضج بحركة المواطنيين والسلطات الامنيةوبعد برهة من الزمن قيل لها ان ابنها تم تحويله الي مستشفي حوادث امدرمان فهرعت مرة اخري الي هناك لكن ايضا لم تجد ابنها طوال هذه الفترة كان تلفونها لا يصمت عن الرنين فاصدقائه واسرتها وزوجها الذي علم بالحادثة من شقيقها كان صوته غير واضح من شدة النحيب والبكاء فعادت مرة اخري الي مستشفي النو حيث تم اخبارها بان هناك طفل مصاب في صدره وتم ترحيله الي مشرحة الخرطوم وقدم لها البعض صورة عبر الهاتف لذاك الفتي المضرج بدمائه الذكية فتقول رجاء انها تحركت من هناك الي المشرحة ساعتها قالت لي بعد ان صمتت لبرهة ليست بالقليلة قائلة عرفت ابني من الفنيلة التي كان يرتديها ومن ارجله التي كانت (مربوطة مع بعضها البعض) وهو علي (نقالة حبالها ممزقة) فخرجت راكضة خارج المشرحة وهي تبكي بصوت عالي (أحي احي ) من المحرر-تركت رجاء تلقتط انفاسها وتوجهت بالسؤال الي شقيقه عبد الناصر الذي قال لي (وعيناه طفحت بالدموع عندما انضرب عصام اخوي حاول ان يجري لكنه سقط علي وجه والدماء سالت علي كل ملابسه التي كان يرتديها من المحرر- تركت عبد الناصرالذي يبلغ من العمر 13 عاما لانه لم يصمد وقتها فظل يبكي بصوت مكتوم لكن الدموع بللت وجهه. عدت مرة اخري بالسؤال الي والدته رجاء والتي قالت لي ان مثل هذا اليوم الموافق السادس عشر من اكتوبر وهو عيد ميلاده الذي يوافق 16-10-1996 وهو يدرس بالصف الاول بالتدريب المهني وتقول انه كان شجاعا وكريما وشهما حيث كان الشهيد عصام يهرع في ليالي الخريف الماطرة والتي تضي بروقها السماء وهو حافي القدمين يخوض في الطين والوحل لنجدة الجيران وتصريف المياه كما كان محبوبا لدي زملائه واصدقائه في الحلة وفي ميدان كرة القدم حيث كان الشباب وعقب كل تمرين يحضرون الي المنزل لشرب الماء ومن الحديث عن ذاك الدافوري والتمرين الذي عجلت مغيب الشمس بانتهائه باكرا وتشير الي ان اصدقائه نفذوا حملة توقيعات علي احدي فنائله(تي شيرت) ثم قاموا باعداد (كشف) بلغ مبلغ ثلاثمائة جنيها قدموه لها وتصف رجاء ذلك الموقف بالنبيل والاصيل بالرغم من ضعف المبلغ المالي لكن قيمته المعنوية كانت اكبر وتضيف (عصام ولدي اغتيل غدرا وظلماً) ورددت(تسلط وجبروت الطغاة لن يدوم طويلا وثقتي كبيرة في الشعب السوداني لانه مازال بخير) وعندما قلت لها احكي ماهي اخر تفاصيل مكالمة هاتفية مع والده قالت انه طلب من والده ان يرسل لهم مبلغ من المالي لشراء خروف الضحية لاجل الكرامة لهم بمنزلهم والفقراء والمساكين،وعندما قلت الي شقيقه اريد ان اري بعض الصور للشهيد عصام محمد تم منحي صور عديدة للشهيد واصدقائه الي جانب دفتر لتوقيعات الحضور لاستشهاده وهناك كتب اصدقائه قصيدة نقراء منها: لن ننساك ياعصام الدين يا الرحلت ضحيت لشعب مسكين يا الخليت تارك في رقابنا دين عصام عصام عصام فقدنا طلتك هظارك ضحكتك في الختام من المحرر – للشهيدنا الرحمة والمغفرة ولاهله واسرته الصبر والسلوان