لننس قليلاً، مقطع تصوير جلد امرأة سودانية، تم تداوله على نطاق واسع، ولنتجه «للصلاة ركعتين»، كما أفتى «الشيخ البشير» أثابه الله، ولنتغاض أيضاً عن الفساد واتهامات مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية لويس أوكامبو، للرئيس السوداني بحساب التسعة بلايين دولار، ولنقف قليلاً عند انفصال الجنوب وقيام دولة جديدة فيه عاصمتها «جوبا»، الذي يتم الإعداد له، فاليوم لا صوت يعلو على صوت الانفصال، ولا حديث يتم تداوله أكثر من حديثه المتعلق بهذا الشأن. القضية الشائكة حول هذه النقطة أن «إسلامية» البشير تتأرجح، بحسب مصالحه، من دون النظر إلى مصلحة شعبه الذي يئن تحت وطأة الفساد والقمع، وأيضاً يضرب بعرض الحائط النظام العربي في شكل عام، وإن كان يجسده في بعض جوانبه. ومعلوم أن الرئيس السوداني، خرج إلى سدة الحكم من رحم «الإخوان المسلمين»، وانقلابه آنذاك ارتكز على معاهدة السلام الموقعة مع زعيم الحركة الشعبية جون قرنق في العام 1988، بحجة أنها «مُجحفة»، فكيف يمكن أن نفسر استسلامه بهذه البساطة لانفصال الجنوب، وبيعه اليوم؟ الإجابة أبسط بكثير مما تبدو، ف «الأخونجي» السابق، قدم هذه الهدية على طبق من ذهب، من خلال سياساته الفاشلة في احتواء الجنوب وإقصائه، وبالتالي سار طوعاً وفق الطموح «الأمروإسرائيلي» لشرق أوسط كبير، أو جديد، سمه ما شئت. البشير هو نموذج لأنظمة أخرى في المنطقة العربية، قد تواجه دولها المصير ذاته، إذا ما فشلت في احتواء الأقليات التي تعيش ضمن حدودها، وعلى رغم أن المشروع الذي حملته المنطقة سفاحاً، بعد أن بشرت به «الحسناء» كوندوليزا رايس، سيولد مشوهاً، إلا أن أحد فصوله سيرى النور خلال الأسابيع المقبلة، وإذا كان مسقط رأسه جنوب السودان، فإن تأثيره سيعم المنطقة بأسرها. ففي مصر بدأنا نسمع مطالبات بانفصال الأقباط، وإنشاء دولة خاصة بهم، وفي العراق وإيران وسورية عاد الأكراد لأحلامهم بإنشاء دولتهم الخاصة، وأشاروا أخيراً إلى ذلك صراحة، بالحديث عن حق تقرير المصير لأكراد العراق، وفي جنوبه ووسطه نسمع مطالبات بإنشاء «فيدراليات شيعية»، وفي فلسطين هناك دولتان، في شبه دويلة، أما في لبنان؛ فالعمل جار لتعظيم حال الشقاق بين طوائفه المتوترة أصلاً، ما ينذر بأكثر من «كانتون» مستقبلاً، وفي الأردن هناك دفع، لاسيما بين فلسطينيي الأردن والأردنيين، أما في اليمن؛ فلا تزال دعوات الانفصال تنطلق من جنوبه بصوت عالٍ، وتدخل إيران أيضاً على الخط، بمسعى السنة في جنوبها للانفصال، والخليج العربي المحاط بجميع هذه التوترات الطائفية والدينية والسياسية، ليس بمنأى عنها، وحال المغرب العربي لا يختلف كثيراً، فطموح البربر ليس خافياً على أحد، على الأقل هناك قنبلة «جبهة البوليساريو»، وسعيها إلى فصل الصحراء الغربية عن المغرب. أمام هذا المشهد المتوتر الذي يتم إذكاؤه، والسعي لتفجيره، من الواضح أن مشروع الشرق الأوسط الكبير، يرتكز في إستراتيجيته على استغلال ثلاثة عناصر فاعلة، الأول هم الشيعة الموجودون فيه، والثاني هم مسيحيوه، أما الثالث فهم أقليات دينية وعرقية أخرى. طبعاً عناصر المشروع لم تكن خافية، بيد أن معالم الخطة اتضحت بشكل أكبر، فالعنصر الأول بدا واضحاً من خلال ما شهده العراق، وتمكن من تنفيذ أدواره بمهارة فائقة، وحتى وإن كانت الصورة لا تزال مشوشة قليلاً، عندما تتم مقارنتها بلبنان، من خلال محاربة هذا المشروع ل «حزب الله». إلا أن الصورة كذلك في الضفة الأخرى، فهذه إيران تدعم المشروع الأميركي لتقسيم العراق، بل تسعى إليه، فيما ترفض ذلك في لبنان، بينما العنصر المسيحي، يتضح دوره جلياً في الجنوب السوداني، أما الأقليات الأخرى فهم يتوزعون على الخريطة المتوترة، ضبابية الرؤية حيال هذه الملفات توضح لنا حال المخاض الذي لا يزال يشهده المشروع، بيد أن «الحمق الأميركي» قادر على التوافق، وعقد الصفقات، مهما بلغت فاتورتها في سبيل تحقيق أهدافه. الأيام المقبلة حُبلى بالكثير من المواجع، ودول المنطقة المغيبة، غائبة عن ذلك المشهد، فيما حال الغليان تتواصل، يدعمها وهن وإخفاق أميركي في قراءة المستقبل. ترى هل تتحرك الدول العربية لاحتواء أزماتها في الداخل، من خلال معالجات رشيدة وعاقلة، تمنع استغلال أقلياتها من جانب الآخرين، واللعب بهم ك «بيادق» على رقعة شطرنج الشرق الأوسط الكبير أو الجديد؟ دعونا نسأل العرافين...! سعود الريس [email protected]