الاستقلال وحدة وحرية وحلم . هو استقلال الإرادة واستقلال الشعب واستقلال الأرض . وطن يفك أسره، يكسر قيود الوصاية أو الاستعمار، يمتلك ناصية قراره، يمسك بزمام أموره، يطوي ملف الظلام ويفتح آفاقاً مضيئة، ينطلق حراً سيداً مستقلاً، يكبر بأبنائه، يصنع لهم المستقبل الآمن والمستقر، المزدهر والمواكب للعصر، والمتنفس هواء نظيفاً . السودان/ الدولة القارة، يحيي الذكرى الخامسة والخمسين لاستقلاله اليوم، مستعيداً فرح الأول من يناير ،1956 لكن بغصة مؤلمة وجرح عميق مفتوح في جسده، هي غصة خسارة الوحدة، نتيجة جرح الانفصال الذي تقترب سكينه لتقتطع الجنوب، ويخشى أن تنتقل إلى طرف آخر من هذا الجسد أو أطراف أخرى . تقسيم السودان صار التعامل معه أمراً واقعاً، والمواقف انتقلت إلى ما بعد الانفصال، وبات استخدام كلمة “دولة" في الجنوب عادياً، حتى الرئيس السوداني عمر البشير قال إنه سيتم التعامل مع الجنوب “دولة شقيقة" إذا جرى الاستفتاء ب"حرية ونزاهة"، والدول المجاورة تتعاطى مع هذه القضية كأنها تحصيل حاصل . نكبات العرب تستنسخ من دولة إلى أخرى . خلافات داخلية تتضخم إلى فتن، ثم إلى حروب، تتغذى خلالها العوامل الطائفية أو المذهبية أو العرقية، ويصار إلى تضخيمها عبر ألف أداة وأداة، وتتحرك أصابع خفية بعضها أمريكي وبعضها الآخر “إسرائيلي"، لإصابة الهدف المصوّب عليه، وهو تفتيت الأمة العربية إلى دويلات متناحرة يعيش الكيان الصهيوني العنصري على أنقاضها . السودان حالة من حالات عربية عدة تتلظى بنار الفتن ومشاريع التفتيت، وهكذا بدل أن يعمل العرب من أجل الوحدة والاندماج، كما حال الأمم الأخرى، يدفعون بأنفسهم نحو مزيد من التشظي والسقوط في براثن أصحاب المخططات الذين يكيدون لهم وينجحون، من أسف، في تحقيق أغراضهم الخبيثة . استقلال السودان ينغصه انفصال الجنوب . وصار الأمل حفظ ما تبقى منه، ومنع العدوى من الانتقال إلى جزء آخر منه .