"كتابة السيرة تحتاج مجهودا مضاعفا ، وينبغي أن يتوافر فيها أولا الصدق ، وثانيا أن تكتب بطريقة تجعلها كتابا مفتوحا وليس مغلقا" ، هذا ما يذهب إليه الروائي السوداني أمير تاج السر ، الذي يوضح أنه من عشاق كتابة السيرة وقرائها أيضا ، وأن تجاربه في العمل في أماكن متفرقة من السودان جعلته يمتلك مخزونا كبيرا من الحكايات التي صادف أناسا نسجوها في تلك الأماكن. ولتاج السر ، على وفق نقاد ، عالم روائي جعله يتقدم ليكون في طليعة أدب سوداني أخذ مكانته في عالم الكتابة العربية ، بحيث صعد بقوة إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر العربية) عن روايته الأحدث "صائد اليرقات". تاج السر نفسه يقف على تلك الجملة الشعرية التي انطلق أعماله الروائية الأولى من خلالها ، خلال الحوار الذي أجراه معه الزميل حسين جلعاد من "الجزيرة نت" مؤخرا ، فيقول: "عندما بدأت أكتب الرواية في أواخر الثمانينيات ، كانت لي تجربة في كتابة الشعر ، وكنت معروفا بوصفي شاعرا ، ثم كتبت رواية "كرمول" ونشرتها عام 1988 حيث كنت طالبا بكلية الطب في مصر ، وفعلا كنت مشغولا فيها بالشعر بصورة كبيرة ، حتى بناء الجملة كان شعريا. استمررت في هذا النهج سنوات طويلة ، لكن أيضا كتبت رواية "مرايا ساحلية" ، وهي في السيرة الذاتية ، ثم "سيرة الوجع" وهي كتابة سيرية أيضا. واحتوى هذان الكتابان كثيرا من الحكي مما ساعد على انتشارهما وخصوصا "مرايا ساحلية". في عام 2002 كتبت روايتي "مهر الصياح" التي أعتبرها الأهم ، وفي هذه الرواية تحديدا تغيّر أسلوبي. ظل الشعر موجودا ، لكن ليس كما في السابق. وصرت أوظف الأسطورة والتاريخ بشكل إضافي. ربما كان هذا الكتاب هو الذي لفت نظر النقاد فبدؤوا بالبحث عن كتاباتي والكتابة عنها. ثم أعيدت طباعة "مهر الصياح" أواخر عام 2008 وانتشرت الطبعة الجديدة بصورة كبيرة. وهذا الكتاب يترجم الآن إلى الفرنسية والإنجليزية. بعد ذلك كتبت "زحف النمل" و"العطر الفرنسي" و"توترات القبطي" ثم "صائد اليرقات" ، ورواية جديدة لم تنشر بعد اسمها "رعشات الجنوب". وكل هذه الروايات كانت بأسلوبي الجديد الذي يتجه إلى السرد ، لا إلى الشعر". ورغم إقامته خارج بلاده فإن تاج السر يؤكد أنه يحمل ، في ذاكرته ، مخزونا لا يزال فيه الكثير الذي لم يقله ، ويضيف: "أنا حريص على الذهاب إلى السودان في كل عام ، وهناك أتداخل مع مجتمعي وأعيش طيلة فترة الإجازة السنوية ، وحين أعود ، فغالبا ما تكون في ذهني أفكار لكتابة جديدة. كما أن احتكاكي بالناس في مجال عملي يتيح لي نماذج مختلفة توفر مادة للكتابة". وحول إن كان الوقت قد جاء الوقت أخيرا ليرى العالم كتابة سودانية جديدة ، بعد أن ظل الطيب صالح أيقونة لا يرى أحد بعدها شيئا من الأدب السوداني ، يقول تاج السر: "أشيد بالخال الطيب صالح ، فهو بلا شك قدم إبداعا متميزا للرواية السودانية والعربية ، وظل لفترة طويلة محتفى به بصورة ربما لم تحدث لكاتب عربي آخر ، سواء من جهة المقالات التي كتبت عن إبداعه والدراسات الأكاديمية أو من جهة الترجمة إلى لغات أخرى ، حتى أصبح بالنسبة للكتاب السودانيين هو الممثل الشرعي للأدب السوداني. في هذه الأثناء لا شك أن أجيالا عديدة ظهرت ، أجيال الستينيات والسبعينيات والثمانينيات والتسعينيات ، وقدمت إبداعا لم يلفت إليه كثيرا. هذا جعل الكثيرين من العرب يقولون إن الأدب السوداني يواجه أزمة ، لكنها حقيقة لم تكن أزمة في الكتابة بل كانت أزمة انتشار هذه الكتابة إلى محطات أخرى غير السودان. فمثلا يوجد إبراهيم إسحق ، وهو من جيل السبعينيات ، وهو كاتب قوي وصاحب مدرسة كتابية خاصة ، وللأسف لا يعرفها من هو خارج السودان بسبب الاكتفاء بالنشر المحلي. أيضا ظهرت كتابات جديدة في الثمانينيات والتسعينيات مثل أحمد الملك وعبد العزيز بركة ، وهؤلاء جميعا قدموا نتاجا يستحق الالتفات إليه. بالنسبة لي لم تكن ثمة مشكلة كبيرة ، لأنني لم أنشر إنتاجي داخل السودان ، وإنما تعاملت منذ البداية مع دور نشر خارجية وأصبح لدي قرائي. لكن على مستوى النجومية ، ظل الطيب صالح نجما ، وأضيف أنها كانت صبغة العصر الذي ظهر فيه بأن يكون الكاتب نجما ، بعكس عصرنا الآن حيث لا وجود لنجم واحد ، بل جيل كامل يسطع بمبدعين معا". وفيما يتعلق بلغته الساخرة ، يقول تاج السر: "أنا شخصيا لا أتعمد السخرية ، ولكن أجدها مرادفة للكتابة في عدد من الروايات التي أنجزتها مؤخرا ، وربما ظهرت هذه السخرية بجلاء في رواية "زحف النمل" التي تتحدث عن مطرب أصيب بفشل كلوي وكان بحاجة إلى متبرع ينقذ حياته. وفي الرواية الأخيرة "صائد اليرقات" تطلبت حبكتها السخرية. وفيما عدا ذلك أعتبر أن كتاباتي أكثر جدية في "توترات القبطي" و"العطر الفرنسي" و"مهر الصياح".