في يوم ما، كانوا سكان حيّ واحد وفي ذات الحلف، فجأة تغير الوضع وأصبحوا حلفين، الأول شيخ الأمين وأتباعه، والثاني سكان ود البنا والأحياء المجاورة له، لا أحد يعلم متى بدأت فجوة الخلاف في الاتساع، لكن الجميع تنبه إلى مشكلة الخلافات والملاسنات المتكررة، التي تنتهي في آخر الأمر إلى مشاجرة يتبعها ذهاب الطرفين إلى مخافر الشرطة، التي تراكمت فيها بلاغات سكان الحي متهمين(الحيران) بالبلطجة، و(الحيران) يبادلونهم التهم بسب العقيدة المتكرر، تفاقم الوضع بعد حادثة الاعتداء على العوض – أحد أبناء الحي – من قبل (الحيران)، بعد أن قطعوا عليه الطريق بخمس سيارات من ثم انهالوا عليه ضربا، هذه الطريقة "الآكشنية" تسببت في إصابته بنزيف في المخيخ، عندها نظم السكان مسيرة احتجاجية لإيقاف نشاط مسيد الشيخ الأمين، وذلك حتى يضعوا حدا لهذا العنف بحسب رأيهم، مطلقين هتافات على غرار الهتافات السياسية تطالب برحيل زاوية الشيخ وإيقاف الذكر فيها، بالفعل تم تعليق الذكر في الزاوية وبدأت الأمور تهدأ، لكنها اشتعلت مجددا في الآونةالأخيرة، و(الحيران) من جانبهم خرجوا احتجاجا على قرار تعليق الذكر بالمسيد، مطالبين بإعادته مرة أخرى، هذا بتأييد من عدد من مشايخ الطرق الصوفية. أين مكمن المشكلة؟ ما هي حقيقة الأمر؟ ومن هو الظالم أو المظلوم؟ (اليوم التالي)أتاحت لكل سكان الحي التعبير عن رأيهم، واضعة هذه الآراء على طاولة شيخ الأمين واللجنة الشعبية. في سخط تام وبحدة شديدة وواضحة عبر سكان ود البنا عن رفضهم وجود زاوية الشيخ الأمين في المنطقة، مطالبين إياه بالانتقال منها إلى حيث يريد بعيدا عن مكان سكنهم، هذا بعد أن عددوا حالات الاعتداء التي طالت أبناءهم من أتباع الشيخ، التي وصفوها بالهمجية وال"الفتونة" على سكان الحي، وفي كل مرة يعلل (الحيران) سبب الاعتداء على المواطنين في بلاغات مقيدة بمخافر الشرطة، بأن المعتدى عليهم قاموا بسب العقيدة، ما ينجم عن تعارك الطرفين ومن ثم تصالحهما بعد فترة من الزمن، لكن حادثة الاعتداء على العوض الأخيرة كانت بمثابة الحد الفاصل،الذي انفجر بعده السكان وخرجوا إلى الشوارع رافعين شعارات على غرار الشعارات السياسية، التي تنادي برحيل شيخ الأمين وحيرانه من الحي. أسباب اعتداء الحيران لم أجد معاناة في العثور على بعض الذين تعرضوا للاعتداء من قبل (حيران)شيخ الأمين، فبمجرد دخولي حي ود البنا وإبدائي الرغبة في استطلاع المواطنين الذين سبق لهم الاشتباك مع أنصار الشيخ، حتى جاءني عدد منهم واسترسل كل منهم في سرد قصته مع (الحيران)، بدأ الحديث كابتن طيار علاء الدين صديق - ابن عمة الشيخ وأحد المنسلخين من الزاوية – الذي قال: "مشكلتي مع الشيخ قديمة فولائي ليس له، إنما لشيخه الكبير ود العجوز رحمه الله، ويبدو أن هذا التجاوز وعدم الاندراج تحت حيرانه كان يسبب للشيخ الأمين الضيق، فأنا لم أشعره يوما بأنه أرفع مكانة مني، فنحن جميعا نعتنق ذات المذهب الصوفي، لكن الأمور تفاقمت بيننا عندما سافرت إلى أمريكا وبدأت تصلني الإساءات، والتشكيك فيأمر دراستي للطيران والتقليل من شأني بالأقوال، وآخرها توعد (الحيران) بإفساد حفل زواجي الذي انعقد الشهر قبل الماضي بالحي، وبالفعل قاموا بفتح بلاغ ضدي في يوم زفافي رغبة منهم في إفساده، لكنني أصررت على إكمالكل المراسم في الحي، وقد اكتمل رغما عنهم، وشرفني فيه الشيخ عبد الرزاق عبد الله يوسف المكاشفي". وقال مأمون المهدي:"أنا تعرضت للضرب من أكثر من 10 أشخاص، الذين التفوا حولي بعد أن قال لي أحدهم (انت داير تعمل مشكلة) فأجبت بالنفي، لكن إجابتي لم تكن مقنعة بالنسبة لهم، وانهالوا علي ضربا بالعصي، وحقيقة لا أعلم لهم سببا سوى أنني تركت الزاوية، وتركي لها لم يكن لرفضي للتصوف في حد ذاته، وإنما لتغير قناعاتي بالزاوية، وعلى ما أعتقد أن من حقي تغيير رأيي إذا تنافى مع قناعاتي، وسلوك (الحيران) الهمجي تكرر عشرات المرات على مرأى ومسمع من الجميع، لذا توجب على سكان الحي الوقوف وقفة حقيقية في وجه هذا التعدي المتكرر، فإما أن يرحل الشيخ أو يرحل السكان". أما ياسر صالح الذي بدا مستاء فبدأ حديثه قائلا: "بعد أن تركت الزاوية لانشغالي بأعمالي الخاصة إلى جانب تغيير قناعاتي في الزاوية، تعرضت لإساءة بالغة اُتهمت فيها بأبشع التهم، كان ذلك في مواقع وصفحات إلكترونية، قيل فيها بأعمال مخلة بالآداب"، استرسل مضيفا: "لست أنا فحسب من تعرض للإساءة بفاحش القول في الحي، فالصفحة التي سميت ب(ناكري الجميل) تعرض فيها الكثير من المنسلخين للإساءة، بالإضافةإلى تشويه سمعة رجال ونساء الحي ببذيء الألفاظ، مادفعنا لأخذ نسخة من الصفحة وفتح بلاغ لدى نيابة المعلوماتية، والآن الهيئة القومية تتقصى أمر هذه الصفحة التي مسحت فيما بعد"، ويستطرد ياسر: "نحن دونا بلاغاتنا التي ذكرنا فيها أسماء من نشك فيهم، وهذا لأننا نحتمي ونلجأ للقانون ليس للبلطجة، كما حدث من (الحيران) ضد شباب الحي، وخصوصا في حادثة العوض التي كادت تزهق روحه، وأنا أعرف حيران داخل الزاوية يرغبون في الانسلاخ، لكنهم خائفون من تبعات قرارهم". أهل "العوض" يتهمون اجتمع العديد من سكان الحي داخل منزل العوض الجعلي، بعد حادثة اعتداء حيران الشيخ الأمين عليه قبل فترة، التي خرج على إثرها سكان أمدرمان القديمة احتجاجا على ما أصابه من أذى كاد يودي بحياته، الجميع كان ساخطا على ما حدث له وللكثيرين من قبله، تحدثت إلى والدته السيدة سلوى الصادق التي عبرت عن وجعها على ما أصاب ابنها قائلة: "خفت جدا على ابني حين وصلني نبأ الاعتداء عليه، وفزعت أكثر من قرار الطبيب الذي أكد أنه عانى من نزيف في المخيخ وكدمات أثرت علىإحدى كليتيه ماتسبب في اختلاط البول بالدم، هذا غير الرضوخ والجروح التي في جسده، حالته كانت مزرية"،وتستطرد: "عشنا فترة مرعبة طيلة وجوده في المشفى، وإلى الآن العوض يعاني من مشكلة جسدية بسبب ذلك الاعتداء، وما حفز سكان بيت المال والأحياء المجاورة للخروج، هو أن الاعتداءات أصبحت أكثر وحشية ومهددة لحياة الشباب". وقال عبد العزيز شقيق العوض: "بعد أن فتحنا بلاغ الاعتداء، طلب مني الضابط الذهاب برفقة القوة المكلفة بإحضار المتهمين، وذلك بغية التعرف عليهم، بالفعل ذهبت معهم وبمجرد إخبار الضابطللخليفة أيمن - شقيق الشيخ- أن لديهأمر قبض واجب التنفيذ، حتى أمر بإخراج ثمانية من المتهمين من داخل الزاوية، ومن لم يكن موجودا آنذاك تم إحضاره فيما بعد، وهذا ينفي ما ورد في بعض الصحف على لسان الشيخ، في أنه قد تم القبض على المتهمين في مكان الحادثة". وقالت السيدة سمية عمة العوض: "كل الصحف اكتفت بإجراء حوارات مع شيخ الأمين، ولم تستقص الأمر من سكان الحي، و(اليوم التالي) أول الصحف التي تجلس معنا وتسمع القصة منا". لن أتنازل عن حقي أما العوض الذي تعرض للضرب بصورة تشبه أفلام (الآكشن)فحكى الحادثة التي مر بها قائلا:"بدأت القصة حين افتعل أحد (الحيران) مشاجرة معي قبل يومين من تاريخ الحادثة، فما إن رآني حتى باغتني بحدة: (مالك بتعاين لي)، ورغم أنني قلت له: لا أنظر إليك، إلا أنه أصر على رأيه، وكي أحسم الأمر قلت له ماذا تريد، فما كان منه إلا أن أمسك بتلابيب قميصي فأمسكتهأنا الآخر من قميصه، فجأة اجتمع حولي 10 من (الحيران) وانهالوا عليّ ضربا، وهذا على مرأى من الشيخ الذي مر بسيارته أمام المشاجرة مبتسما، ومن ثم ركضوا مبتعدين، فاتجهت لفتح بلاغ في القسم الشمالي وهناك أخبرونيبما أن المشكلة كانت في النخيل فينبغي تحويل البلاغ إلى القسم الأوسط، وفي نفس الوقت اتجه (الحيران) لفتح بلاغضدي اتهموني فيه بسب العقيدة، وقاموا بإدخالنا جميعا للحراسة، خرجنا في اليوم التالي، ولم يحدث شيء في ذلك اليوم، لكن في اليوم الذي يليه شعرت بحركة غريبة لعدد من السيارت التي تحوم بالقرب من منزلنا، والتي استشعرها جيراننا أيضا، لكنني خرجت بسيارتي (الهايس) التي أعمل فيها بترحيل طلاب إحدى رياض الأطفال، اتجهت نحو منزل المشرفة التي كانت معي في السيارة حين وقوع الحادثة ومعها إحدى الطالبات، وقبل أن أكمل مشواري أحاطت بي خمس سيارات، نزل أحدهم وضرب زجاج سيارتي بعصا، وعندما ترجلت من السيارة ضربني أحد (الحيران) بعصا كهربائية في رأسي، بعدها سقطت أرضا واستمروا في ضربي ركلا حينا وبعصيهم حينا آخر ثم فروا هاربين، بعد أن تركوني فاقدا للوعي على قارعة الطريق"، وواصل عوض: "ولم أتمكن من الكلام إلى اليوم التالي، حينها أخبرتهم بأسماء (الحيران) الذين اعتدوا عليّ، وكنت أعرفهم فرداً فرداً ولم يكن بيننا خلافات،واليوم لم ترجع صحتي كما في السابق، فلا زلت أعاني من دوار مستمر منذ الحادثة إلى جانب طنين في أذني، ولن أتنازل عن حقي مطلقا، فبيني وبين من أذاني من (الحيران)القضاء، الذي بدأنا في خطواته الفعلية". شيخ الأمين ضد العنف داخل زاوية شيخ الأمين التي تحولت إلى مسيد مؤخرا، استقبلني (الحيران)بكل حفاوة، دخلت إلى صالون استقبال الضيوف في معية اثنين من (الحيران) وأنا أنتظر الشيخ، تخيلته رجلا في غاية التعقيد لكنه كان واضحا ومباشرا، قال لي: "لسنا في زمن المدينة الفاضلة حتى يسامح الناس بعضهم بصورة مطلقة، فهناك إساءات تستفز الإنسانوتخرجه عن وعيه، وتتفاوت درجة التعبير عنها من شخص إلى آخر"، واسترسل شارحا رؤيته: "ففي المسيد تختلف طباع الناس وتتفاوت كذلك فترة وجودهم فيه، فمعي مُريدون منذ 6 سنوات وآخرون يبلغ عمر وجودهم في المسيد عاما، هذا إذا نظرنا إلى أعمار (الحيران)بعين الاعتبار، ففي المسيد شباب في مقتبل العمر، لا يستطيع الناس التنبؤ بردود أفعالهم غير المحسوبة"، وواصل الشيخ: "ومن قاموا بالاشتراك في الاعتداء على العوض كانوا شبابامندفعين، لم يقبلوا إهانتي باعتباري والدهم الروحي، فتصرفوا بذلك الاندفاع، لكن هذا لا يعني أنني أشجع العنف، على العكس تماما أنا ضد العنف، وقد فرضت عليهم عقوبات مثل الصوم والانقطاع عن المسيد، إلى جانب خدمة المحتاجين، كي يزدادوا قربا إلى الله ويستشعروا خطأهم، وفيما يتعلق بإقصائي عن الحي أقول: لو طلب مني جيراني من سكان الحي الرحيل سأرحل على الفور، لكن من يريدون إخراجي من منزلي ومنطقتي هم سكان الأحياء المجاورة، وأنا أنفي أن سبب الخلاف هو سخط (الحيران) على قرار انسلاخ البعض وخروجهم من المسيد، فكثيرون تركوا الطريقة ولم يتعرض لهم أحد"،وأضاف: "ولم أتضايقمن سكان الحي الذين يحاولون تشويه سمعتي، فطريق الحق دائما محفوف بالصعاب، التي أسأل الله أن يعينني دوما على تحملها، وفيما يخص مصدر ثروته قال: "ثروتي من التجارة التي أعمل بها، وهي التي أعانتني على شراء المنزل المجاور لمنزلي، والاستفادة منه كنفقة على المحتاجين وبناء مسجد بداخله". أحد (الحيران) امتنع عن ذكر اسمه لكنه أصرعلى إبداء رأيه فكان له ذلك، بدأ حديثه قائلا: "كثيرون من يحاولون تشويه سمعة الشيخ وتصلنا كثير من الإساءات، لكن الشيخ يمنعنا من رد الإساءة بالإساءة، ويبدو أن من يسعون لذلك لهم مصالح في خروج الشيخ من الحي، رغم أنه لم يسئ إليهم بل على العكس تماما، كان لهم كالأخ يعينهم ويقف إلى جانبهم حين يحتاجونه، دون أن ينتظر منهم أجرا ولا شكورا، والشيخ قالها قبل ذلك إن من يرودون إخراجه ليسوا سكان الحي، إنما سكان الأحياء المجاورة، فكيف يتضرر البعيد من الذكر والأقربون لا". اللجنة الشعبية عوض الكريم إبراهيم عبد الله رئيس اللجنة الشعبية لود البنا قال ل(اليوم التالي): "ليست لدينا مصالح شخصية مع الشيخ ولا تربطنا به علاقات خاصة، ونحن أشبه بالعنصر المحايد في مسألة النزاع والخلاف بين الشيخ وسكان الحي"، وواصل قائلا: "المواطنون قاموا بجمع توقيعات من أغلب سكان الحي، تؤيد رحيل شيخ الأمين من الحي، وحين تصلنا الأوراق سوف نرفعها إلى الجهات المسؤولة بمنتهى الشفافية كما هي"،وواصل قائلا: "أول تدخل لنا في المشاكل بين أتباع الشيخ وسكان الحي كان العام الماضي، وانتهت المشكلة بالتسوية الودية والمصالحة بين الطرفين، لكن حادثة ضرب (الحيران) للعوض أزمت الوضع، ودفعت السكان للخروج في مسيرة تطالب يإيقاف نشاط الزاوية، ولا أنفي تعاطفي مع العوض الذي تعرض للضرب، لكن اللجنة ستتبع الإجراءات القانونية، التي أيدت إيقاف نشاط الزاوية في ذلك الوقت"، واستطرد الأستاذ عوض الكريم: "في الخلافات التي حدث كان طرفا النزاع في ذات الطرف يوما ما، واللجنة لن تتحيز لأي من الطرفين، بل ستتعامل مع الموضوع حسب القانون اليوم التالي