إطلالتها الهادئة الوادعة كانت مدخلها إلى قلوب المشاهدين، وإن تركت انطباعاً بتوظيفها في قالب معين لا يبرز كل إمكاناتها، إلا أنها تعتبر نفسها محظوظة، وتنافح بقوة عن (بنات جيلها)، وتتقبل النقد ما دام هادفاً وفي إطار المهنية، إنها مذيعة قناة (الشروق) رانيا هارون، التي نجحنا في إخراجها من حالة الصمت والغياب الطويل بحوار يكشف الكثير من أسرار حياتها الإنسانية والعملية. .... -ارسمي لنا ملامح البدايات؟ = حبي للعمل الإعلامي متأصِّل في أعماقي منذ الصغر، وتجلَّى بصورة أوضح من خلال مشاركاتي في سنوات دراستي الأولى، وتُوِّج كل ذلك بدراسة الإعلام بجامعة السودان، ثم الانخراط في العمل بالأجهزة الإعلامية, تقدمت للعمل بتلفزيون الولاية بمحض الصدفة بعد أن قرأت إعلاناً بطلب مذيعات، وتقدمت مع مجموعة من الزميلات، وبحمد الله تم قبولي، والبداية كانت بإذاعة الولاية، ثم الشاشة المرئية، وكانت فترتي بهذه المؤسسة ثرة، وقدمتني للناس بصورة جيدة، بل وكنت حينها أتعاون مع التلفزيون القومي في مناسبات شتى. -البعض لا يعلم بأن لك تجربة في العمل الصحفي؟ هذه حقيقة، وكان هذا إبان دراستي الجامعية، وكنت متدربة بصحيفة (الرأي العام) لمدة ليست بالقصيرة، وجلست حينها لامتحانات القيد الصحفي واجتزته بنجاح، وبعدها تعاونت مع صحيفتي (الأسبوع, والأيام) -مثلت قناة النيل الأزرق علامة فارقة في مسيرتك الإعلامية، كيف كان انضمامك إليها؟ = قدمت للعمل بالقناة منذ بداية انطلاقتها، واجتزت كل المعاينات، وكان ذلك في عهد الأستاذ بابكر حنين، وهي مناسبة لأقدم له التحايا ولكل من ساندني، وعموماً النيل الأزرق واجهة مضيئة لبلادنا. -البعض يعتقد أن المذيع السوداني محروم من التدريب والتأهيل، ما رأيك؟ = سابقاً ربما يكون هذا الحديث صحيحاً، لكن حالياً الوضع تغير نحو الأفضل، مثلاً تلفزيون السودان أولى اهتماماً بهذا الجانب للمعدين ومقدمي البرامج، والآن أخضع كل طاقم قناة (الشروق) العامل حالياً إلى التدريب والتأهيل المكثف في دولة الإمارات العربية. - تنقلتِ بين عدة أجهزة إعلامية، ما الفروق التي رصدتِها بينها؟ = تسهم الفروق بينها من حيث الإمكانات في تجويد العمل، ومن ثم الارتقاء في سلم التطور عبر الانتقال من مكان إلى آخر، وساعدني هذا في تعلم الكثير، وأتاح لي الخبرات من خلال معايشة الخطأ والصواب، وكانت آراء وملاحظات الزملاء والمشاهدين مفيدة، باختصار أنا في مدرسة، وأتعلَّم كل يوم درساً جديداً، ولكل وقت قضيته هنا أو هناك أمكنته وميزاته وشخوصه وذكرياته التي لا تنسى أو تسقط من الذاكرة. -لماذا اقتصر حضورك تلفزيونياً على مساحة محدودة من البرامج؟ = يُبنى اختيار أي مذيع لبرنامج ما على مقاييس وأمور محددة، وأكثر البرامج التي قدمتها كانت ذات طابع اجتماعي وإنساني، مثل (شراع الأمل)، وقبله (هموم وأحلام)، وأسعد لحظة تمر عليّ عندما أحس بأني أساعد إنساناً عبر المساحة التي أقدمها. -هل تشعرين بتفاعل المشاهدين والمجتمع مع مثل هذه النوعية من البرامج؟ بالتأكيد، وأدهشني حجم التفاعل الذي حظي به برنامج (شراع الأمل) تحديداً، هنالك قبول وتفاعل من أشخاص كثيرين ورجال أعمال ومحسنين كلهم يرغبون في التصدّي لعلاج الحالات، وحل المشكلات التي يعرضها البرنامج، وما زلنا نأمل في المزيد من التفاعل. =لا يزال البعض ينتقدون أداء المذيعات بالعديد من القنوات الفضائية، أين تكمن المشكلة؟ = يجب أن لا نظلم مذيعاتنا، وأعتقد أن الهجوم يأتي استناداً الى مقارنات ظالمة بأخريات في الفضائيات الخارجية، وأسأل هنا؛ هل تتلقى أي من زميلاتي المذيعات ربع ما تتلقاه المذيعة في قناة الجزيرة مثلاً؟ الإجابة بالطبع لا.. وعن نفسي أهتم بكل صغيرة وكبيرة قبل دخولي الأستديو وأحرص على تطوير قدراتي. - في ذات السياق، هل تعاني مذيعاتنا من أزمة ثقة وانعدام الطموح؟ = هذا قول مردود، لو كان هذا صحيحاً لبقينا في محطة واحدة ورضينا بها، الطموح يا أخي موجود وألمسه في كل حركات وسكنات زميلاتي، وبالضرورة هو محضر الاستمرار والإجادة. - بمن تأثرت ولمن تشاهدين؟ = أحب عرض أوبرا وينفري، لديها طريقة مميزة في إدارة حواراتها وتسندها إمكانات كبيرة، فضلاً عن قدراتها المالية المهولة التي تساعدها في تنفيذ وعمل ما تراه مناسباً. - بماذا تحلم رانيا هارون؟ = حلمي بسيط؛ أن أخدم بلدي من خلال مجالي الذي أحبه وأعمل به، وأتمنى أن أكون مفيدة لنفسي ولكل من حولي. - هل تعد الثقافة ترفاً بالنسبة للمذيعة في زمن الإبهار وفضائيات استعراض الوجوه الجميلة والأزياء؟ = الثقافة بالنسبة لمهنتنا ساق مكملة للإبداع، ولا أقول بأنني مثقفة، لكنني مطلعة، ولست في مرحلة التقييم للأخريات. - هل تتقبل رانيا هارون النقد؟ = أتقبل النقد البناء الموضوعي، وأهتم بمعرفة آراء كل الناس، لكن في المقابل لا أسمح أبداً بتجاوز الحدود أو الخروج عن الإطار المهني. - أين موقع المحاسبة الذاتية من مسيرتك الإعلامية؟ =أحاسب نفسي كثيراً، وأراجع عملي وحتى تعاملي مع الآخرين . -حدثينا عن تجربة متميزة تفردت بها قناة الشروق؟ = (ربوع الوطن) وهي مساحة برامج تميزت بها الشروق، وهي تنتقل بكل الطاقم العامل إلى ربوع الولايات - برغم وجود مراسلين-، غرس هذا البرنامج في دواخلنا حب أرض الوطن بكاملها، وقضاياه وهمومه، كنا نذهب إلى كل ولاية على حدة، وندرس ونعايش بيئتها وملامح إنسانها عن قرب، كل هذا عزَّز مفهوم الحب والارتباط بالوطن الكيان، وهي تجربة متميزة بنظري، وأعتز بها كثيراً، برغم أنني تهيبتها في البداية. -هل تعتبرين نفسك محظوظة؟ = محظوظة جداً، وعندما بدأت مشواري وجدت النصح والإرشاد من أساتذة أجلاء وقامات إعلامية سامقة، واعذروني إن تجنبت ذكر الأسماء؛ فالقائمة طويلة، والمراحل مختلفة، وهذه فرصة لإبلاغهم التحايا جميعاً بلا فرز. - هل تلقيتِ أي عرض للعمل في القنوات الفضائية الخارجية، وما كان موقفك؟ = تلقيتُ عروضاً في هذا الخصوص، وتم قبولي للعمل بقناة ليبرا الفضائية بمبانيها بدبي،إلا أني لم أخض التجربة واعتذرت لظروف وحسابات خاصة، ولا بأس من خوض التجربة مستقبلاً، إذا شعرت أنها يمكن أن تضيف لي وتقدمني إلى العالم الخارجي بصورة نموذجية. -بعد كل هذه السنوات من الإطلالة التلفزيونية، هل تعتقدين أن جيلكم نجح في الوصول إلى قلوب المشاهدين؟ = بكل تأكيد، المذيعة السودانية باجتهادها ومثابرتها حجزت مكاناً في قلوب وعقول المشاهدين، واستأثرت بإعجاب شرائح مقدرة منهم، بل ودخلت في حيز المنافسة الفعلية، وأعتقد أن بنات جيلي من المذيعات، وبقليل من التدريب واكتساب الخبرات، سيكون لهن شأن كبير. حوار: جمال حسن