يجسد الرئيس عمر البشير والجنوبي سلفا كير وجهين لسودان على وشك ان يقسم: فالاول عربي شمالي مسلم تنبذه الاسرة الدولية، والثاني مسيحي مؤمن يميل الى افريقيا السوداء ويلقى مباركة الغرب. وتواجه البشير العسكري الذي حمله انقلاب مدعوم من الاسلاميين الى السلطة في 1989 وسلفا كير ميارديت لفترة طويلة من الحرب الاهلية التي جرت بين الشمال والجنوب وقتل فيها مليون شخص بين 1983 و2005. وفي تموز )يوليو( 2005 بعد ستة اشهر من انتهاء القتال، قتل الزعيم التاريخي للحركة الشعبية لتحرير السودان جون قرنق في حادث تحطم غامض لمروحيته في شمال اوغندا. وخلفاً لهذا الزعيم التاريخي الذي كان يتمتع بشخصية قوية، تولى القيادة سلفا كير احد كبار شخصيات قبيلة الدينكا الجنوبية الذي بات معروفا بقبعة رعاة البقر التي لا يفارقها لكنه لا يتمتع بقوة الشخصية نفسها. وخلافا لجون قرنق الذي دعا الى سودان موحد وعلماني وديموقراطي، "سلفا" كما يسميه الجنوبيون، من المدافعين الشديدين عن انفصال الجنوب لكن ذلك لم يمنعه من ان يصبح نائبا لرئيس السودان الى جانب رئاسته للجنوب شبه المستقل. وقال مراقب للسياسة السودانية طالبا عدم كشف هويته ان "سلفا كير لا يتمتع بحضور كبير ولا يتمتع بقدرة كبيرة على الاتصال لكنه نجح في القيادة وتوصل الى اقناع بعض معارضيه في الجنوب الى حد ما". ورغم الخلافات الحادة، تمكن كير والبشير من التعايش في السنوات الخمس الاخيرة على رأس الدولة في مؤشر الى العلاقات المعقدة بين الشماليين والجنوبيين. وهما شخصيتان تفرق بينهما الديانة واللغة والعادات لكنهما يتقاسمان تاريخا مشتركا. وتتعارض حماسة البشير الاسلامي الوطني والبراغماتي الذي صدرت بحقه مذكرة توقيف دولية عن المحكمة الجنائية الدولية، مع فتور خطب سلفا كير المسيحي المؤمن البالغ من العمر ستين عاما والذي يلقي عظة كل احد في كاتدرائية سانت تيريزا في جوبا. وقد اعتاد البشير البالغ من العمر 66 عاما ويرتدي مرة الجلابية الشعبية السودانية واخرى الزي العسكري او الاوروبي، على افتتاح خطاباته ذات النزعة الشعبوية برقصة تقليدية ملوحا بعصاه. وشهدت سنوات حكمه الاحدى والعشرون على رأس اكبر بلد افريقي حروبا اهلية في الجنوب الى حين توقيع اتفاق السلام في 2005، وكذلك نزاعا مع حركات التمرد في دارفور منذ 2003. وبات في اذار (مارس) 2009 اول رئيس في التاريخ تصدر بحقه مذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية، وذلك بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في دارفور. وفي نيسان (ابريل) 2010 بقي في السلطة اثر اول انتخابات تعددية خلال ربع قرن بينما اصبح سلفا كير اول رئيس لجنوب السودان. والبشير الذي امضى اطول فترة في الرئاسة في السودان منذ استقلال هذا البلد في 1956، يدين بهذا الحكم الطويل لعلاقاته الوثيقة داخل الجيش. لكنه يبدو الاكثر عزلة على الساحة الدولية منذ صدور مذكرة التوقيف ضد بتهمة ارتكاب جرائم حرب في دارفور. وقد اصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي توقيف ضده في هذه القضية. ولا تسعى الشخصيات الغربية الى الاجتماع بالبشير خلال زياراتها الى الخرطوم لكنها لا تتوانى عن واجب لقاء سلفا خلال زياراتها القصيرة الى جوبا. وخلال الاستفتاء على استقلال الجنوب المقرر من 9 الى 15 كانون الثاني (يناير)، سيرث سلفا كير مهمة هائلة وهي بناء بلد مدمر ب22 عاما من حرب اهلية. اما البشير فسيواجه تحديا آخر هو البقاء على رأس دولة يحكمها منذ 22 عاما، بعد اقتطاع جنوبها.