تتضارب الانباء الواردة من جوبا عاصمة جنوب السودان حول اسباب الازمة في البلاد بين الرئيس سيلفا كير ونائبه السابق رياك مشار، ففي حين تقول سلطات جوبا ان ما تم محاولة انقلاب قادها مشار، الذي اقيل من منصبه في تموز/يوليو الماضي مع قوات موالية له، ينفي مشار ذلك ويؤكد ان هذا الاتهام ذريعة يستعملها الرئيس للتخلص من الذين يطعنون بسلطته، قبل الانتخابات الرئاسية، المقرر اجراؤها عام 2015 والتي اعلن مشار عزمه خوضها. الاشتباكات التي بدأت في جوبا، وراح ضحيتها المئات، سرعان ما انتشرت الى ولايات اخرى، حيث سيطرت قوات مشار على مدينة بور عاصمة جونقلي (شرق)، مما يثير القلق والمخاوف من اتساع نطاق العنف الى مناطق بدأت باعادة تجميع الميليشيات القديمة، مما قد يؤدي لعودة الحرب الاهلية على اسس عرقية الى جنوب السودان بعد مرور عامين ونصف على انفصاله عن السودان. الصراع والمنافسة بين كير الذي ينتمي لقبيلة الدينكا، ومشار الذي ينتمي لقبيلة النوير يعودان الى سنوات الحرب الاهلية داخل الحركة الشعبية لتحرير السودان التي انقسمت على اسس قبلية، وفي عام 1991 قام فصيل مشار الذي يضم مقاتلين، معظمهم من قبائل النوير بقتل نحو 2000 مدني من قبائل الدينكا في مدينة بور. الصراع بين القبيلتين ‘الدينكا' و'النوير' يمتد لعقود طويلة بسبب الاحقاد المتراكمة والصراع الاجتماعي والاقتصادي، ومحاولة التهدئة بين القبيلتين تحتاج لجهود صادقة وبسرعة، قبل امتدادها لقبائل اخرى لا سيما قبيلة ‘مورلي' والتي تخاصم ‘الدينكا' و'النوير' في منطقة جونقلي التي شهدت صراعا دمويا خلال العامين الماضيين راح ضحيته اكثر من 1600 قتيل بينهم نساء واطفال، تم ذبح بعضهم كالخراف. النزاع بين النخب السياسية في الدينكا والنوير، ان لم يتم تطويقه، قد يؤدي لا سمح الله الى مجازر جديدة قد تودي بارواح الآلاف ونزوح جماعي للمدنيين بدأ منذ بداية الاقتتال يوم الاحد الماضي. وجنوب السودان الذي لا يزال احد افقر الدول، واقلها تطورا رغم كل احتياطاته النفطية يثير اليوم قلق المستثمرين وشركات النفط التي شرعت بالتنقيب، واليوم بدأت تجلي موظفيها بعد مقتل 16 عاملا الاربعاء باشتباكات بالرماح والعصي. علما ان عائدات النفط تشكل 98′ من دخل الدولة، كما ان توقف نفط الجنوب سيؤثر على الخرطوم التي تحصل على رسوم لتكرير النفط وتصديره من بور سودان على ساحل البحر الاحمر. والازمة ستؤثر كذلك على دول المنطقة التي تخشى موجة جديدة من الهجرة للفرار من القتال. الخروج من الازمة يتطلب حكمة وترفع قادة الدولة عن الصراعات القبلية الضيقة التي قد تجر الشعب الذي عانى لفترات طويلة لنزاع لن يؤدي الا لمزيد من الدماء، خاصة مع تزايد السخط الشعبي من فشل الحكومة بتحقيق اي تقدم بالخدمات العامة والمطالب الاساسية، وعلى الجانبين اليوم وقف التصعيد، وحل خلافاتهم بالحوار وصناديق الاقتراع وليس بالرصاص. آمال المواطنين في جنوب السودان تنصب اليوم على وساطة وفد الهيئة الحكومية للتنمية لدول شرق افريقيا (ايغاد) والتي لعبت دورا اساسيا في اتفاق السلام المبرم في 2005 بين حركة التمرد الجنوبيوالخرطوم، والذي وضع حدا لحرب اهلية دامت اكثر من عشرين عاما في السودان وانتهت في تموز/يوليو 2011. فهل تنجح اليوم بوأد الفتنة في مهدها؟ نأمل ذلك. القدس العربي