تبدو جوبا، قبل ساعات انطلاق الاستفتاء المقرر على تقرير مصير جنوب السودان، هادئة على المستوى الشعبي، الكل يمارس حياته بصورة طبيعية لولا الانتشار الأمني المكثف الذي يعيق الحياة العادية. مطار جوبا -رتيب الحركة عادة- يمور هذه الأيام بحركة فوق العادة، تفوق طاقته، فعلى رأس كل ساعة تهبط طائرة لتقلع أخرى. طائرات مروحية تابعة للأمم المتحدة، وأخرى تابعة لشركات الطيران الخاصة التي انتعش سوقها في الآونة الأخيرة لعدم قدرة الطيران الوطني (سودانير) على استيعاب هذا الكم الهائل من المسافرين إلى عاصمة الجنوب. المطار متواضع كمحطة وصول من القرن الماضي، لم تمسه يد التطوير طوال عقود الحرب في دورتها الثانية التي اندلعت في العام 1983. بيد أنك –وربما بسبب ذلك تحديدا- تلاحظ سهولة إجراءات استقبال القادمين، وكأن موظفي المطار يستعجلون التخلص منهم للتفرغ لقادمين جدد. حركة دؤوبة لافتات بمختلف اللغات تنتظر القادمين خارج صالة الوصول، ومركبات متواضعة تتسابق للتنقل عبر شوارع المدينة، من فندق إلى آخر بحثا عن أماكن شاغرة لهذا العدد الهائل من الزائرين المختلفي السحن والألسن. غربيون وأفارقة وعرب وآسيويون، منهم السياسيون و"المراقبون" والفضوليون، لكن الغالبية الملاحظة هي من قبيلة الإعلاميين، قدر عددهم بنحو ألف من صحفيين ومذيعين ومصورين وفنيين. منتسبو محطات التلفزة ينصبون آلاتهم في باحات الفنادق، والمسؤولون الجنوبيون يتنقلون –كالنجوم- من فضائية إلى أخرى يدلون بأحاديث حفظوها عن ظهر قلب من كثرة ترديدها. والعاملون في الصحافة المكتوبة والمسموعة (الإذاعات) يترصدون المسؤولين لحظة انتقالهم من فضائية لأخرى لاقتناص فائض حديث يضيفونه إلى ما قاله المسؤول فضائيا ليكتمل الخبر. غير ذلك يبدو الناس في الشوارع والأسواق عاديين وكأن الأمر يعني الأجانب والإعلام ولا يعنيهم هم في شيء. تسأل المارة عن سبب هذه اللامبالاة يقولون ب"عربي جوبا" أو بالإنجليزية ما معناه "النتيجة معروفة سلفا". أيام معدودات في عاصمة الجنوب وينفض السياسيون إلى شؤونهم والمراقبون إلى تحليلاتهم ويغدو القادمون مغادرين وتخلو غرف الفنادق وتخفت أضواء الفضائيات وتصبح جوبا في شأن آخر، والخرطوم تنتظر الآتي.ِ المصدر: الجزيرة