تضاربت الأنباء حول موقف السودان من الأحداث الجارية في جنوب السودان، عقب الزيارة الخاطفة التي أجراها الرئيس عمر البشير، في حين تواصلت المعارك على الأرض وجابهت المفاوضات المباشرة في أديس أبابا بين وفدي الرئيس سلفا كير والمتمردين بزعامة نائب الرئيس المقال رياك مشار عقبات، حذر الاتحاد الأوروبي من انزلاق جنوب السودان إلى تقسيم على أساس عرقي . وفيما يرى مراقبون أن الخرطوم تخلت عن موقف الحياد، حرصت الأخيرة على توضيحات تتعلق بمقترح القوات المشتركة بين البلدين . وأكدت وزارة الخارجية السودانية، عدم صحة ما نسب لوزير الخارجية علي كرتي بأنه خلال زيارة البشير إلى جوبا تم بحث تشكيل قوات مشتركة لتأمين حقول البترول في جنوب السودان . وأوضحت الوزارة في بيان صحفي أصدرته أمس أن وزير الخارجية قد أشار إلى أنه بناء على طلب وزارة البترول في حكومة جنوب السودان سيتم إعداد حوالي 900 من الفنيين السودانيين للعمل بحقول البترول في جنوب السودان، وتحت إشراف وإدارة وزارة البترول بجنوب السودان في حال الحاجة لخدمتهم . ويرى مراقبون أن الخرطوم غادرت موقف الحياد، الذي تبنته منذ اندلاع القتال في منتصف الشهر الماضي، وبدأت تحركاً كبيراً يبدو منحازًا للرئيس سلفاكير، وألمحوا إلى أن الحديث عن إنشاء قوة عسكرية يستند إلى مصالح الطرفين، الخرطوم في ضمان انسياب النفط، وجوبا في إنهاء التمرد المسلح، على الرغم من تأكيدات وزير الإعلام السوداني أحمد بلال عثمان أن القوة التي تتم دراسة نشرها ستكون على الحدود لا في مناطق البترول . وأضاف عثمان أن بلاده لديها مجهودات بالتعاون مع "ايقاد" للتوسط لإنهاء النزاع وأنها لم ولن تنحاز لطرف في الصراع في جنوب السودان كاشفاً عن وجود اتصالات غير رسمية مع قائد المتمردين الجنوبيين رياك مشار بغرض الدفع بالمفاوضات في أديس أبابا . ورأت قيادات سودانية جنوبية أن زيارة البشير إلى جوبا لن تسهم سلباً أو إيجاباً في نزع فتيل الأزمة بجنوب السودان، بحسبان أنه جاء لتأمين مصالح بلاده النفطية عبر التعرف من سلفاكير إلى طبيعة الأوضاع الميدانية في المناطق الغنية بالنفط، واستبعدت قيام السودان في الوقت الحالي بدعم المتمردين نظراً لأن حكومة الخرطوم ترى أن معظم السياسيين الذين ظلوا يعرقلون سبل التعاون والتطبيع بين البلدين قد أقصوا من الحكومة وبعضهم لا يزال في المعتقل . في الأثناء تضاربت الأنباء حول مباحثات أديس أبابا بين فريقي جنوب السودان المتصارعين، وفيما قال دبلوماسيون إن المباحثات المباشرة الجارية بين ممثلي سلفاكير ومشار، "لم تحرز تقدماً"، حتى الآن، وأنها "وصلت إلى طريق مسدود"، أعلنت مصادر أن المفاوضات تواصلت أمس الثلاثاء في مسعى للتوصل إلى وقف لإطلاق النار والإفراج عن المعتقلين . وقال عضو في الوفد الحكومي لرويترز "بدأنا اجتماعنا بشأن وقف الاشتباكات" . كما أكد مابيور قرنق، عضو وفد مشار إلى أديس أبابا، بدء المحادثات . وبدوره قال وزير الإعلام في حكومة جنوب السودان "هذا الصباح التقينا تسع ساعات"، مضيفاً أن الوفد الحكومي قدم وثيقتين، إحداهما بشأن تطبيق وقف لإطلاق النار والأخرى بشأن الإفراج المحتمل عن معتقلين مقربين من رياك مشار . وبحسب الوزير فإن قسماً من الوفد الحكومي الحاضر في أديس أبابا غادر إلى جوبا للتشاور مع الحكومة قبل استئناف المحادثات الثنائية المباشرة، وأوضح أنه لن تكون هناك مفاوضات مباشرة قبل عودتهم . وكشفت مصادر دبلوماسية أن الهيئة الحكومية للتنمية بدول شرق إفريقيا "إيقاد" التي ترعى المفاوضات بحضور مراقبين دوليين، أرسلت مبعوثين إلى جوبا للضغط على رئيس جنوب السودان للإفراج عن المحتجزين، وأضاف دبلوماسي إثيوبي "سيسافرون للاجتماع بكير، سيضغطون من أجل الإفراج عن المحتجزين" . من جانبه، دعا الاتحاد الاوروبي أمس إلى إنهاء العمليات العسكرية في جنوب السودان فوراً، محذراً من أنه إذا لم يتم احتواء الأزمة فمن الممكن أن تؤدي إلى تقسيم عرقي . وقال ممثل الاتحاد الأوروبي لمنطقة القرن الإفريقي الكسندر روندوز في مؤتمر صحفي في بروكسل إن "الخطر يكمن في أنه إذا لم تشهد الأوضاع في جنوب السودان قدراً من عودة الحياة السياسية الطبيعية فمن المؤكد أن تتجه البلاد إلى نتيجة غير مرضية ألا وهي التقسيم العرقي" . وفي إشارة إلى محادثات السلام الجارية بين الأطراف المتصارعة في العاصمة الكينية نيروبي أكد الاتحاد الأوروبي "ضرورة اتخاذ قرارين فوراً أولهما الاتفاق رسمياً على إعلان وقف الأعمال العدائية والآخر بدء حوار سياسي ذي مصداقية يتضمن الإفراج عن السجناء السياسيين" . وأضاف روندوز الذي عاد مؤخراً من زيارة المنطقة "أن تلك مسؤولية أطراف الصراع فطالما أنهم بدؤوه فعليهم إنهاؤه" . وعلى الميدان، قالت تقارير إن المعارك مازالت متواصلة ولا يزال جيش جنوب السودان يحضر لاستعادة السيطرة على مدينة بور الاستراتيجية عاصمة ولاية جونقلي شرقي البلاد . وقال الناطق باسم القوات الموالية لمشار موسس رُواي إن مجموعته تملك زمام المبادرة في الصراع المسلح الراهن مع القوات الحكومية، وشدد على أنّ واشنطن تضغط على مشار لتجنب اقتحام جوبا عاصمة الدولة . الخليج