الرباط - مروة سالم - إذا كانت النساء في بعض الدول الإفريقية تكون عرضة للمجاعة، فإن المرأة في المغرب تبقى مهددة بالعنف بمختلف أشكاله وألوانه، جمعيات نسائية ومراكز للنجدة ما فتئت تدق ناقوس الخطر وتحذر من انتشار خطر الاعتداء على المرأة سواء تعلق الأمر بالاعتداء الجنسي أو الجسدي أو حتى المعنوي في مختلف مناحي حياتها كما أن الأصوات في المملكة المغربية لا زالت تتعالى من أجل إخراج قانون يكافح الاعتداء على المرأة ويجرم تعنيفها، إلا أنه بسبب حساسية الموضوع، فإن مشروع قانون مكافحة العنف ضد المرأة الذي عكفت على إعداده وزارة التنمية الاجتماعية والتضامن والأسرة لم يأخذ مكانه بعد ليصل إلى المؤسسة التشريعية من أجل تعديل بنوده والمصادقة عليه ليصبح نصا قانونيا معترفا به ومطبقا في حق كل من سولت له نفسه إلحاق الأذى بالمرأة. جمعيات نسائية عديدة ومراكز في تزايد تركز في نشاطها على موضوع مناهضة العنف ضد المرأة، فالأرقام التي يتم الإعلان عنها بين الفينة والأخرى وخلال المناسبات العالمية (اليوم العالمي للمرأة واليوم الوطني للمرأة واليوم العالمي لمكافحة العنف ضد المرأة) مثيرة للخوف، بسبب تنامي الظاهرة، علما بأن المجتمع المغربي عرف تحولات اجتماعية وثقافية بدأت تؤهله ليكون ضمن المجتمعات الأكثر تحررا التي تؤمن بالحداثة وتتخلص شيئا فشيئا من مجموعة من الأفكار والتقاليد التي كانت في السابق تحجر على المرأة وعلى حقوقها. أمينة، سيدة متزوجة منذ أكثر من عشر سنوات، تكشف أنها تتعرض باستمرار للتعنيف من قبل زوجها الذي يتعاطى المخدرات. تتحفظ أمينة عن كشف سرها إلى أفراد عائلتها، خوفا من تأجيج الغضب والوصول إلى ما لا تحمد عقباه. إنها ربة بيت لا تقدر على إعالة طفلاتها الثلاث اللواتي سيحرمن من الأب المعيل بمجرد وقوع طلاق احتجاجا على التعنيف المستمر. كابدت أمينة لسنوات ولا زالت، ورضيت بقدرها المحتوم، كما أنها تتطلع من يوم لآخر ل"الفرج" الذي سيأتي بالنسبة لها لا محالة. وخلافا لأمينة، رفضت فاطمة/ 25 سنة/ الاستسلام إلى عنف زوجها. قررت فاطمة طرق أبواب الجمعيات ومراكز الاستماع لتضع زوجها أمام الأمر الواقع وتحرجه بالسلوك الشنيع الذي يسلكه تجاهها. بدأت جملة من المشاورات، ولا زالت لم تحسم بعد في القرار الذي ستتخذه بدعم من محامية المركز التي خيرتها بين الانفصال أو محاولة معالجة الموضوع مع المعني بالأمر وانتزاع التزام منه يقضي بعدم العودة إلى ممارسة العنف ضدها. التقرير السنوي الذي أعدته تسعة مراكز متخصصة في الاستماع، التابعة لشبكة النجدة، (غير حكومة)، خلال عام 2009، رصد حالات العنف التي مورست على نساء مغربيات. الشبكة حددت الفترة الممتدة ما بين تشرين ثان/نوفمبر 2008 وتشرين ثان/ نوفمبر 2009، إذ وصل عدد النساء اللواتي تعرضن لمختلف أشكال العنف(الجسدي والجنسي والاقتصادي) حوالي 2500 حالة، و أغلبهن من عاصمة المملكة الرباط، وكشفت أن أعمار النساء الوافدات على شبكة النجدة تتراوح بين 15 و60 عاما. وبسبب تفشي ظاهرة العنف داخل المجتمع المغربي، فإن عدد الاستشارات بالهاتف وصل إلى نحو ألف استشارة، أي بمعدل 80 استشارة في الشهر الواحد. ويأتي العنف النفسي في مقدمة أنواع العنف التي تمارس ضد النساء، كما أن العنف الجسدي لا يقل أهمية عن الأول. إذ حسب الشبكة، فإن العنف الجسدي يحتل المرتبة الأولى ويتمثل في الضرب والكسر والإحراق. وبالنسبة لتقرير شبكة النجدة (جمعية غير حكومية)، فإن العنف الجسدي ظل يحتل الصدارة في إحصائيات عام 2010، متبوعا بالعنف الجسدي، ثم الطرد من بيت الزوجية والتهديد بالقتل. وتتعرض النساء في الوسط الحضري إلى العنف أكثر من النساء القرويات، كما أن نسبة تقدر ب71 في المئة لحالات النساء المعنفات هن متزوجات، و38 في المئة لا يتوفرن على مستوى تعليمي. وبحسب الأرقام التي توصلت إليها الشبكة للعام الماضي، فإن أغلب المعنفات ( 52في المئة) هن ربات بيوت وأنهن تعرضن إلى العنف في بيت الزوجية من قبل أزواجهن. فيما أن هناك حالات لنساء تعرضن للعنف من قبل آباءهن أو الأصدقاء. وفي ما يتعلق بخاصيات المعنف، فإن أغلب هؤلاء لديهم مستوى ابتدائي، وآخرين بدون مستوى. كما أن أغلب هؤلاء يشتغلون في أعمال حرة، و24 في المئة منهم عمال. من جهتها، اعتبرت مديرة مركز النجدة الخاص بمساعدة النساء ضحايا العنف فاطمة مغناوي، أن ظاهرة العنف ضد النساء متفشية في المجتمع المغربي، إلا أنه لا توجد إحصائيات وطنية مضبوطة حتى نتمكن من تحديد حجم الظاهرة في البلاد. وقالت في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) "كان يفترض أن تقدم الاحصاءات المندوبية السامية للتخطيط، الجهة الحكومة المتخصصة في إنجاز الإحصائيات، يوم 25 تشرين ثان/نوفمبر الماضي الذي يصادف اليوم الوطني لمناهضة العنف، إلا أنها لم تقم بذلك، وبالتالي لا نتوفر على أرقام مضبوطة تخص الظاهرة". وتحاول الشبكة قياس تنامي الظاهرة من خلال رصد الحالات المصرح بها، علما أن الحالات المسكوت عنها كثيرة، فالعنف كما تضيف مغناوي" لازال يمارس داخل البيوت وفي المدارس والمصانع وفي الضيعات ...، إنه عنف يمارس بشكل يومي ولا مكان له ولا زمان له". وشددت الناشطة الجمعوية مغناوي على الحاجة إلى إحصائيات وطنية رسمية مثل ما هو الأمر في فرنسا أو في إسبانيا" لأن هذا سيمكننا من وضع استراتيجيات وطنية وسياسة عمومية للحد من الظاهرة". وأضافت أن الحل لا يكمن في سن قانون فحسب، بقدر ما أن الأمر يتعلق بالتوعية لخطورة الظاهرة من خلال برامج تعليمية تسطرها وزارة التربية الوطنية ومشاركة أطراف أخرى في التوعية على رأسها الإعلام من أجل الوقاية والتوعية والعمل على نشر الصور الإيجابية عن المرأة سواء في الكتاب المدرسي أو في الوصلات الإشهارية وغيرها. وتلح مغناوي على ضرورة سن قانون يحمي النساء من العنف و يشدد على عدم الإفلات من العقاب لكل من تورط في تعنيف امرأة. وكانت وزارة التنمية الاجتماعية والتضامن والأسرة بدورها وعدت بإعداد نظام معلوماتي لرصد الظاهرة، حتى لا تبقى الإحصائيات مشتتة. وسبق لوزيرة التنمية الاجتماعية نزهة الصقلي أن صرحت أنها وضعت مشروع قانون يتعلق بمحاربة العنف ضد النساء بعد أن وسعت الاستشارة مع مجموعة من جمعيات المجتمع المدني للوصول إلى صيغة متوافق بشأنها حول مكافحة الظاهرة. ويروج أن هذا المشروع سيخرج إلى الوجود خلال العام الجاري قصد مناقشته في المؤسسة البرلمانية