هديناه النجدين ؛ اي طريق نختار ! لا .... لاجتماع الهيئة المركزية ! (1) اجهزة حزب الأمة من مؤسسة الرئاسة ، الي الأمانة العامة ، والهيئة المركزية ، وفقا لنصوص الدستور ، قد انتهت دورتها ، وأكملت مدتها ، وانتهت صلاحيتها ، وأي منها ، لا تستطيع ان تعطي مشروعية لاي عمل تنظيمي كبير ، الا وكان منقوص الشرعية . وحال حزبنا ، تعصف به الانقسامات ، والخلافات ، وتضارب اختصاصات وصلاحيات الأجهزة وتداخلها، فكان أداؤه التنفيذي متواضعا متذبذبا، متناقضا ، وغير متجانس ، وانعدمت فيه روح الفريق الواحد ، تنسيقا ، وانسجاما ، وتجانسا. وعزفت تيارات الحزب المتعددة ، والتي ظهرت واستشرت في عهد الانقاذ ، ألحانا متنافرة وأصوات متباعدة . هذه الأصوات اخرجت خلافاتها للعلن ، وأخذت تتنابز بالألقاب ، وتنشر غسيلا تضح به الساحة . يطلقون رصاصهم الكلامي ، ونيرانهم الي صدور بعضهم البعض . فتقع الرماح فوق الرماح ، وتتكسر النصال فوق النصال . فيدمي الكيان ، وتشمت فينا الأعداء ، وهم فرحين بما كتبناه بأيدينا ، وقلناه بألسنتنا . ويدخرونه ليوم ليس ببعيد ، فيخرجوه لنا ويقولوا ومعهم الحق : انتم لم تراعوا صلة الرحم ، ولا الإخاء التنظيمي ، ولم تطبقوا " من عفي واصلح فاجره علي الله" كم يدمي قلبك حين يتحدث معك صديق من تنظيم اخر ، ليقول لك : سمعت ما قاله فلان في فلان ؟ فحين تجيب بالنفي ، يأتيك بالكلام اين قيل ، وأين نشر ، حينها تحس ان الكبار اضحوا صغارا، حين غابت عنهم مقولة بسيطة : "لسانك حصانك ان صنته صانك " لا ... لاجتماع الهيئة المركزية (2) وبينما يضج الحزب بالمشاكل التي ذكرناها أعلاه ، تلتهم النار والحروب ، التي تشتعل في دارفور ، وكردفان ، والنيل الأزرق ، اكثر من ثلثي عضوية الحزب ، تطحنهم حرب لعينه ، اججتها الانقاذ مبكرا ، واشتركت فيها الحركات المختلفة . والآن دخلت فيها القبائل ، بعضها يسحق بعضا. وأضحت عضوية الحزب ، وكوادره ، وقياداته في هذه المناطق ، بين لاجئ ، ونازح ، ومهجر . بينما ، القري ، والمدن ، والفرقان ، وقليل المتاع أصبحت من ذكريات الماضي . أضف الي كل ذلك ، الخلل التنظيمي ، الذي قاد الي عدم الانضباط ، وغياب التدرج ، واصبح الهبوط في القمة مظليا ، اسهل للبعض الذين لم يتدرجوا ، او يتدربوا في هياكل الحزب ، فادي ذلك لاختلاط الحابل بالنابل . كما ان سنوات الانقاذ جففت مصادر التمويل الداخلية منها والخارجية ، واصبح الحزب يعاني في إدارة حراكه اليومي . القائمة تطول وماذكرته مقدمات موجزة لازمة تنظيمية حقيقية ، لايجهلها الا الذي لم يسلك دروب هذا الحزب وشعابه ، إبان الأزمات والمحن وساعة الخطوب . هذه مشاكل تنوء الهيئة المركزية التي انتهت صلاحيتها و دورتها ومدتها عن حملها ؟ ماهي الاحتمالات المترتبة علي انعقادها ؟ حزب الأمة منذ فترة ، جعل البساط احمدي مع قادة الانقاذ . يحضرون متي ما أرادوا ، ويجتمعون من وقت لآخر " رفعت الكلفة ، بالتعبير الدارجي السوداني " ويشاركون في الاحتفالات والمناسبات المتبادلة . والآن هناك من يسرعون الخطي نحو الانقاذ مستبشرين بما ستقوم به الانقاذ ! لاضير ، مادام الخطي مسرعة للانقاذ ، لقاءا ، واجتماعا، وتفاوضا ، وزيارات ، مال هذا الخطي وىيده ، وثقيلة ، كأنها تحمل اثقالا او حديدا حين يأتي الامر للتفاوض الداخلي في داخل الحزب ، مع المختلفين سياسيا او تنظميا ان كانوا أفرادا او مجموعات او تيارات . أليس أولي (بضم الألف ، وكسر الياء ) القربي أولي بالمعروف ! الم يأتي التشريع الرباني موجها المصطفي (ص) ان ينذر عشيرته الأقربين. وعلي الأقل هؤلاء لم يخططوا لانقلاب الانقاذ ، او فتتوا وحدة الوطن ، او قتلوا أهلنا في دارفور ، وكردفان والنيل الأزرق ، او سفكوا دماء الشهداء الشباب الذين سقطوا في شوارع الخرطوم من اجل وطنهم وكرامة شعبهم ، ولم تجف دمائهم بعد. وإذا كان قيادة الحزب قبلت ان تتفاوض مع الأيدي الملوثة بدماء السودانيين ! فمن الأولي ان تجلس داخليا مع كل صاحب رأي وموقف مختلف ، اي كانت درجة الخلاف! جماهير حزبنا في حلوقها غصة ، بوفودها التي قدمت من شتي بقاع السودان تحث كافة الأطراف بوحدة الصف ، وجمع الكلمة ، وتوحيد الجهود استشعارا للخطر الداهم الذي يواجه الوطن والحزب في نفس الوقت. وإذا كانت قيادة الحزب ، تلتقي مصطفي عثمان بانتظام ، وتجتمع مع غندور ، والحاج ادم ، ونافع ، وعمر البشير ، بكل ما فعلوه وأرتكبوه في حق الوطن ، وفي حق الشعب السوداني ، وفي حق جماهير حزبنا التي تقتل وتقصف صباحا ومساء ، ولا تجد في ذلك حرجا ، لانه من اجل الوطن . فلماذا لا تجتمع مع مادبو ، وصلاح ابراهيم احمد ، وحامد محمد حامد ، ومبارك المهدي ، ونصر الدين الهادي المهدي ، وغيرهم من قادة التيارات والمجموعات ، والأمانة العامة للحزب مجتمعة ، لمعرفة العقبات ، والصعوبات التي تواجهها، وكيفية تزليلها وحلها . ولماذا لاتجلس القيادة مع الشباب والكوادر لتسمع منهم مباشرة وبدون حجاب ، وتناقشهم فيما يختلفون فيه ، ولماذا؟ ولازلت في منفاي الجليدي هذا أتعجب من ما يدور في حزبنا وما أصابه ، كيف ؟ وفود حزبنا تتجه لمشاركة الآخرين في كل مناسباتهم ان كانت اجتماعية ، او سياسية ، او فنية ، وهذه محمدة وعمل جيد، ولكن حين تأتي لقيادات وكوادر الحزب ، تتثاقل الخطي كان هؤلاء قادمون من كوكب اخر . واذكر نموذجا واحدا يصور مأساة حزبنا: حين استقال د فيصل عبدالرحمن علي طه ، والحبيب محمد عبدالباقي والاثنين ، لم يستقيلا بحثا عن موقع او منصب ، او دعما لتيار ، او خلق شقاق داخلي ، وانما احتجاجا علي تردي الحال والأحوال والمواقف داخل الحزب ، وغضبا لحزب كان اذا قال اسمع من به صمم ، وإذا رفع يده ليبطش الباطل ، أوجع الباطل وزلزل الأقدام من تحته! اختفت الوفود او قدمت علي استحياء ! والرجلين اعرفهما جيدا، فهم انصع وأنضر من الذهب عيار اربع وعشرين ، حين تجمره نيران المواقف ، وتمايز الصفوف! هكذا وصلت الحال في حزبنا ان يترك رجاله في عراء الشمس ، بينما يحاول ان يظلل الأيدي التي عضته مرارا حتي الإدماء ! مالذي حدث ؟ هل أصبحت أنا البعيد ، كما اصبح ، الشاعر الفذ ابراهيم ناجي الذي قال : هذه الكعبة التي كنا طائفيها ليلا ومساء ، كيف بالله أصبحنا غرباء ! (5) الخلاف والاختلاف ... قبل اجتماع الهيئة ! تعدد الآراء ، والاختلاف في وجهات النظر بين الأئمة الثقاة في الفقه الاسلامي ، رحمة. وفي القران ضرب مثلا. ، ان هناك ارض تسقي بماء واحد، ولديها نفس شروط المناخ والتربة ، ولكنها تنتج ثمار مختلفة في الطعم ، والرائحة والمكونات ، واللون ، والنكهة . هكذا حزب الأمة في التكوين ، والتركيبة ، والتعدد ، والتنوع ، فهو سودان مصغر ، متفرد في تميزه ، وخيوط نسيجه ، التي صاغت ثوبنا السوداني بألوانه الزاهية الخلابة . هكذا كان حزب الأمة ، ويجب ان يكون ، ويستمر ، في المستقبل . حاملا جينات التنوع السوداني فعلا ، لا قولا فحسب . وحزب بهذه الكيفية والتفرد ، لايمكن ان يكون نسخة واحدة ، تنسخ منها آلة التصوير نسخا متشابهة. وأي قيادة تقود هذا الحزب عليها ان تدرك ، ان هذا التنوع يتطلب درجة عالية من سعة الصدر ، والاستعداد للاعتراف به ، والصبر عليه ، وتطويره في اتجاه يرتقي بالولاء التنظيمي للحزب ، ليصبح فوق الولاء للقبيلة ، او الجهة ، او التيار . قيل ان : الامير نقدالله الكبير رحمه الله ، غضب مما يجري داخل الحزب ، وتوجه الي منزله في ودمدني ، فاعتكف فيه . فبعث اليه الامام عبدالرحمن طيب الله ثراه مندوبا ان يحضر في الحال . توجه المندوب للأمير وأبلغه برسالة الامام عبدالرحمن. فانزعج الامير جداً ، ان يكون قد الم بالإمام مكروه. وأخذ يسال المندوب عن صحة الامام ، فأخبره المندوب انه بخير . ثم بدا الامير يسال ماذا حدث في الخرطوم ، فقال له لاشي ! غادر الامير مدني علي عجل ، وتوجه للإمام . فقال له الامام عبدالرحمن: كنت تخالفنا في الرأي ، فنمحص الامر ، وندقق فيه ، ونقلبه من كل جوانبه . فيكون هو الصواب ، او الأقرب اليه. اما بعد ان غادرت ، أقول كلاما ، او اصدر أمرا ، فينفذ الأنصار ما أقول بدون تردد او مناقشة. فاصابني الشك هل ما أقوله او امر به صحيح ام خطا . عد لمكانك ! الله ، الله ، ماذا تغير في الحزب؟ حتي وصل ما وصل اليه ! التغير الذي حدث ، ذكرني قصيدة الطلاسم لايليا ابوماضي، تكثر فيها التساؤلات ، وتكون الإجابة : لا ادري !! اسمعونا ولو مرة واحدة هديناه النجدين : اي طريق نختار ! مفارقات حزب الأمة (6) من بالباب ؟ هكذا تساءل الخليفة العادل عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه . قيل له : بلال ، وصهيب ، ابوسفيان ، وسهيل بن عمرو . قال ادخلوا بلال وصهيب . غضب ابوسفيان كيف ان سادة قريش ، لا يدخلون اولا ! فقال سهيل ، وهو مشهور بالفصاحة ورجاحة العقل ، وهو قائد مباحثات صلح الحديبية الشهير ، حين جاء في مستهل كتابة الاتفاق ، حين كتب سيدنا علي : هذا ما اتفق عليه محمد رسول الله ، وسهيل بن عمرو ، فقال سهيل ، أشطب رسول الله ، لأننا لو علمنا انه رسول الله لما حاربناه . فرفض سيدنا علي ، ولكن المصطفي (ص ) قال ارني إياها يا علي ، ومسحها بيده الشريفة . وهو - اي سهيل - الذي ثبت قريش من الردة ، حين خاطبهم : يا قريش : لا تكونوا ، اخر العرب إسلاماً ، وأولهم ارتدادا . المهم : سهيل قال ، لأبو سفيان انه العدل ، انهم السابقون ! ومابين عدل بن الخطاب ، وحكمة الامام عبالرحمن ، مع الامير الكبير نقدالله . حين أدرك ان خلاف الامير ، يبين له ، مكامن الخلل والزلل ، وينير له الطريق ، حتي لا يتسرب اليه الشك في القرارات التي يصدرها ، وينفذها الأنصار الخلص بدون ان يناقشوه ! بين هؤلاء الاثنين - اي الخليفة العادل بن الخطاب ، وبين الامام عبدالرحمن - وبين حالنا الان نتقلب في المواجع التي تتجدد كل يوم وهذا الوجع الذي دفع د فيصل علي الاستقالة ، ليلحق به محمد عبدالباقي ، الذي يجلس علي خزائن اسرار الحزب ، واحكي عنه أمرا واحدا : قال لي د عمر نورالداىم - جعل الله الجنة مثواه - ونحن في حلقة صغيرة ، تناقش امر خروج السيد الصادق ، وكان جدلنا ما بين الداخل والخارج في طريق الخروج ، هل يتم عبر ليبيا ، او مصر ، او اريتريا . كانت حلقات العمل محكمة ، عصية ، فيها رجال ونساء لا يتسرب ، الاختراق الي مساماتهم . اكتب اليه لينقل هذا التصور للداخل . كانت رسائلنا دخولا تذهب آلية ، لتشفر ، وتدخل . وتصله الرسائل من الداخل بنفس الكيفية ، لتصل قيادة الحزب في الخارج ، او مكاتبنا المنتشرة في بقاع العالم حيث يقتضي التوجيه ذلك ! حين يستقيل رجال بهذا الحجم ، والعطاء ، علي القيادة ان تتحسس أرجلها جيدا وسدد علي اي ارض تقيف ! ومن د فيصل ، ومحمد عبدالباقي ، انتقل الي النائب العام عبدالمحمود الحاج صالح ، وما ادراك ما عبدالمحمود ! وأين هو ؟ وعنه احكي واقعة واحدة: كنت في ودنوباوي في منزل السيد نصرالدين الامام الهادي ، وكان الوقت متأخراً حيث الساعة وقتها أوشكت علي الثانية صباحا، فإذا بأحد المجاهدين في حراسة الدار ينقل لنا الآتي : - حضر لنا شخص في دار الحزب وقال : ان هناك حادث وقع في طريق كوستيالخرطوم ، وان هناك أنصار قتلي وجرحي ، في مستشفي السلاح الطبي. تحركنا علي وجه السرعة للمستشفي وحين وصلنا، وجدنا الحبيب الفاضل الامام الهادي ، والسيد صلاح الصديق المهدي قد توفيا. - رحمهم الله- كان عبدالمحمود الحاج صالح حالته حرجه جداً ، وهو في الرمق الأخير . ورغم ذلك : بادرنا قائلا ، الحمد لله جيتو ، وقال مخاطبا الطبيب : سلمهم الشنطة . الطبيب : ظرفك الطبي ، لا يسمح لك بالحديث . عبدالمحمود : الموت حق ، ولا أخشاه . واخشي علي هذه الشنطة ، ففيها ملفات السدنة ، والمفسدين ، فهي تخص الوطن ، والوطن اهم من حياتي نقلاً عن صحيفة الخرطوم