في توتر جديد شهدته الخرطوم، ألقت الشرطة السودانية وأجهزة الأمن القبض على العشرات من الطلاب والمواطنين، أثناء خروجهم في مظاهرة أعقبت تشييع طالب جامعي قتل أمس برصاصة، أثناء مظاهرة نظمها طلاب بجامعة الخرطوم، احتجاجا على تردي الأوضاع مجددا في إقليم دارفور. وشارك آلاف المواطنين صباح أمس في تشييع جثمان الطالب القتيل، واتهم مشيعون وطلاب وأساتذة جامعات ومواطنون قوات الأمن السودانية بقتل الطالب علي أبكر موسى. وقبيل وصول الجثمان إلى مثواه الأخير، تجمع قرابة ألفي مواطن، جلهم من الطلاب والطالبات، عند المقبرة التي ووري جثمان القتيل فيها، ونظموا مهرجان خطابة أدانوا فيه ما سموه قتل أجهزة الأمن للطالب، واستخدام الرصاص الحي في تفريق مظاهرة طلابية سلمية، تهدف إلى تسليم مذكرة احتجاج للأمم المتحدة بشأن الوضع في إقليم دارفور. وردد المتجمعون بهتافات مناوئة لحكم الرئيس البشير، من قبيل: «مليون شهيد لعهد جديد، مقتل طالب مقتل أمة، مليون شهيد لعهد جديد، لا حوار مع الدماء، الشعب يريد إسقاط النظام»، بينما طالب نشطاء ومعارضون برحيل حكم الرئيس البشير الذي وصفوه بالديكتاتوري. وأضاف طلاب خاطبوا حشود المشيعين بأن مقتل زميلهم يتسق مع سياسات نظام الحكم الديكتاتورية، ومع استسهاله لقتل الأبرياء وسفك الدماء، ووصفوه ب«النظام الدموي» وطالبوا برحيله على الفور، ملوحين بالثأر لمقتل زميلهم أو ما أطلقوا عليه «الثأر لدماء الشهيد». وفي ذات المخاطبة دعا طلاب للاستقالة من الجامعات السودانية لأنها تحولت إلى أماكن للقتل وتصفية الخصوم، وأن وجودهم في تلك الجامعات أصبح خطرا على حياتهم، وأن «ميليشيات النظام» تستهدف أرواحهم ودماءهم، حسبما قال متحدث في التشييع. ولقي القتيل مصرعه برصاصة في الصدر، بينما أصيب أربعة آخرون، وفي روايات أخرى سبعة، لم يجرِ الاستيثاق من عددهم بعد. ونفت الشرطة السودانية في بيان أنها استخدمت الذخيرة الحية لتفريق المتظاهرين، ووجهت الاتهام إلى طرف ثالث لم تسمِّه، بينما اتهم طلاب موالون للحزب الحاكم في بيان «حركة العدل والمساواة» باستخدام الرصاص ضد المتظاهرين وقتل الطالب. وعلى الرغم من إنكار الشرطة استخدام الرصاص في تفريق المتظاهرين، فإن غالب الحاضرين يوجهون الاتهام إلى الأجهزة الأمنية والشرطة باغتيال الطالب واستخدام الذخيرة الحية ضد المتظاهرين. ودأبت تلك الأجهزة على تشتيت الاتهامات باستخدام العنف المفرط واستخدام الذخائر الحية ضد المتظاهرين، وتوجيه الأنظار إلى طرف «ثالث» لم تحدده مطلقا، وهو الأمر الذي جعل ذوي وزملاء القتيل يتهمون قوات الأمن باستخدام الرصاص الحي و«اغتيال» زميلهم عن قصد. وتحفظ الذاكرة السودانية لأجهزة الأمن سيرة قريبة مشابهة، ففي احتجاجات سبتمبر (أيلول) الماضي التي كادت تطيح بنظام الحكم، وقتل خلالها أكثر من مائتي مدني، نفت سلطات الأمن والشرطة استخدام الرصاص ضد المتظاهرين وقتلهم، وأشارت إلى جهة «ثالثة» لم تسمِّها، وحملتها المسؤولية عن مقتل المتظاهرين. ولإثبات الاتهام تجاه الجهة الثالثة، شكلت الحكومة السودانية لجنة تحقيق وتقصي حقائق لمعرفة من قتل المتظاهرين، إلا أن تلك اللجنة لم تخرج على الناس بتقاريرها حتى لحظتها، رغم مرور أكثر من ستة أشهر على تلك الأحداث، ولا يتوقع الكثيرون أن تخرج تقاريرها إلى العلن. وحضرت مراسم تشييع الطالب القتيل المئات من الطالبات والنساء والناشطات، رغم أنف التقاليد السودانية التي كانت لا تتسامح مع مشاركة النساء في تشييع الموتى إلى المقابر، بيد أن النساء عادة يشاركن في تشييع الشهداء، وقادة المجتمع، وهو ما حدث في تشييع زعيم الحزب الشيوعي الراحل محمد إبراهيم نقد، والشاعر محمد الحسن حميد، والفنان محمد وردي، وآخرين. وحملت المعارضة والناشطون سلطات الأمن السودانية ومن سمتها «ميليشيات الحزب الحاكم»، صراحة، مسؤولية اغتيال طالب الجامعة، وقتل المدنيين بدم بارد. واستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع والهراوات لتفريق المشيعين الذي خرجوا في مظاهرات تندد بمقتل الطالب، وتطالب برحيل النظام، وفي الأثناء اعتقلت قوات الأمن العشرات منهم، بينهم فتاتان على الأقل، حسب شهود العيان. وكان التشييع قد تحول إلى مظاهرة حاشدة طافت الأحياء والأسواق المجاورة للمقبرة، وطاردتها الشرطة داخل تلك الأماكن، ما أدى إلى تعطيل حركة النقل البري لقرابة الساعة. وفور انطلاقة الأحداث أول من أمس، أغلقت جامعة الخرطوم أبوابها لأجل غير مسمى، وأمرت الطلاب بمغادرة المساكن الجامعية «الداخلية»، وجرى تهديد الطلاب بإخراجهم من مساكنهم بالقوة إذا رفضوا إخلاءها طواعية، بينما يقول طلاب إنهم لا يعرفون إلى أين يتجهون بعد إخلاء المساكن الجامعية، لا سيما طلاب الولايات. ورابض طلاب وناشطون من زملاء الطالب القتيل، طوال ليلة أول من أمس، حول المشرحة وانتظروا هناك حتى لحظة نقل الجثمان إلى المقابر، وفي الأثناء كانوا يرددون هتافات معادية لنظام الحكم. ودعا تجمع أساتذة جامعة الخرطوم في بيان بإجراء تحقيق مستقل في مقتل الطالب وتقديم الجناة لمحاكمات عاجلة، وبإطلاق سراح الطلاب المعتقلين، في ما أطلق عليها البيان أحدث الحادي عشر من مارس (آذار). ودعا الأساتذة في بيانهم إدارة الجامعة لتوفير المناخ الصحي وحماية الأنشطة السياسية والثقافية للطلاب، وضمان ما سموه «حرية الجامعة»، والوقوف بحزم ضد استباحته من قبل أجهزة الأمن وميليشيات النظام. من جهتها أدانت حركة «الإصلاح الآن» المنشقة عن حزب المؤتمر الوطني الحاكم، في بيان ما سمته «المسلك الاحترابي» والتعاطي العنيف للأجهزة الأمنية مع الطلاب، وأكدت على «حرمة الدم السوداني»، واعتبرته أحد الخطوط الحمراء بالنسبة لها. وقال الزعيم المعارض مبارك المهدي إن مقتل الطالب يكشف إصرار نظام الإنقاذ على مواجهة التعبير السلمي المشروع برصاص ميليشياتها، وأن اتساع دائرة العنف ضد المدنيين في دارفور وكردفان والخرطوم سيقود إلى نتائج لا تحمد عقباها، وإلى اتساع رقعة الحرب الأهلية وانتقالها إلى العاصمة وسائر مدن البلاد. من جهته قال الأمين العام لحزب الأمة القومي إبراهيم الأمين في خطابه للمشيعين: «يحب أن لا يدخل أحد إلى حرم الجامعة حاملا البنادق»، وأضاف أن من يحملون البنادق هم الذي «ضيعوا البلد وقسموها»، وأن ما حدث رسالة لمن يعتقدون أن الحوار ممكن مع هذه الحكومة. وكانت منظمة العفو الدولية قد طالبت في بيان الثلاثاء من قوات الأمن السودانية وقف استخدام القوة المفرطة وغير المبررة قانونا ضد المحتجين فورا. وذكرت المنظمة أن طالبا آخر أصيب بجروح خطيرة، وأن سلطات الأمن ألقت القبض على 110 من الطلاب، وطالبت بإجراء تحقيق فوري ومحايد في أحداث الجامعة، وضمان مساءلة المسؤولين عن استخدام القوة المفرطة وغير القانونية واتخاذ الإجراءات الجنائية والتأديبية ضدهم. الشرق الاوسط