إذا اقتصر تقارب عمرالبشير والمعارضة على لقائه بحسن الترابى والصادق المهدى فلن تحدث ما وصفها ب»ولادة جديدة على الصعيدين السياسى والاقتصادي» تخرج السودان من أزمته. وإذا لم يتخذ خطوة ملموسة لتهيئة الأجواء لحوار مثمر كالإفراج عن المعتقلين السياسيين وتجميد القوانين المقيدة للحريات فإن وثيقة الإصلاح التى طرحها فى يناير الماضى لن تجد طريقها إلى النور إما لفشل الحوارأولعدم بدئه أساسا. فرغم أهمية اللقاء مع الترابي، زعيم حزب المؤتمر الشعبى المنشق عن حزب المؤتمر الوطنى الحاكم بعد فراق واعتقالات على مدى خمسة عشر عاما وكذلك لقاء المهدى زعيم حزب الأمة التاريخى المعارض فإن هناك شخصيات وأحزابا معارضة أخرى تنتظر تحركا جادا وسريعا من الرئيس لاعادة الثقة إليها فى جدية نظامه فى الاصلاح قبل أن تنضم إلى الحوار الذى اقترحه لإيجاد حلول للتمرد فى إقليم دارفور وولايتى النيل الأزرق وجنوب كردفان والأزمة الاقتصادية المستعصية وحالة الاحتقان السياسي، وما ترتب عليهما من اتساع نطاق الفقر وتدهور مستوى المعيشة وكبت الحريات واستمرار العقوبات الخارجية. لقاء البشير الترابى أثار أيضا مخاوف من العودة إلى ما وصفته شخصيات معارضة ب»عهد التمكين والإقصاء والقهر»على خلفية التجربة غير الموفقة من وجهة نظرهم لحكم الإسلاميين ممثلين بحزبى المؤتمر الوطنى والمؤتمر الشعبى قبل افتراقهما وبعده ومحاولتهم فرض رؤيتهم المتشددة للحكم على مجتمع متعدد الأعراق والقبائل والأديان، مما عجل بانفصال جنوب السودان واندلاع تمرد دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.ويرى البعض أن السعى لحل أزمة السودان بتوحيد الإسلاميين دون مراجعة لنتائج تجربتهم فى الحكم سيعطى إشارات سلبية للشعب بأن شيئا مما يشكو منه لن يتغير،وللخارج بأن سياسة الخرطوم كما هى فتبقى العقوبات مفروضة على كاهل البسطاء وتظل العلاقات متوترة أو فاترة مع دول الجوار وفى مقدمتها مصر. البعض تحدث عن أن الترابى انتزع من البشير تنازلات، من بينها أن يبقى جدول أعمال الحوار مفتوحا ولا يقتصر على ما طرحه فى خطابه الأخير من قضايا وعلى ألا يدار الحوار عبر حزب المؤتمر الحاكم بل بواسطة»آلية» يتفق عليها الجميع وعلى مشاركة المتمردين فيه،وكلها تنازلات مهمة، غير أن الخلاف بين الحكم والمعارضة يمكن أن يحدث حول أى موضوع تطلب المعارضة إدراجه فى جدول الأعمال فتنسحب منه، وقد لا يتم الاتفاق على شكل وتشكيل»الآلية» المطلوبة لادارة الحوار فيتعطل أويلغي،وليس مستبعدا أن يضع من سيشارك من المتمردين أو الحكومة شروطا لمشاركتهم تفرغه من مضمونه.وهناك من يرى أن عدم مشاركة منظمات المجتمع المدنى نقيصة يجب علاجها لأنها هى ضمير الشعب وليس الأحزاب المتصارعة على السلطة. فى خطابه الذى دعا فيه الي»ولادة جديدة» شدد البشير على ضرورة «احترام حرية الشعب»..وحتى لا يكون الكلام للاستهلاك المحلي، عليه أن يسارع باتخاذ خطوات لازمة لاحترام وصيانة تلك الحريات على تنوعها: الحريات الشخصية بالغاء القانون الذى يعاقب المرأة مثلا إذا خرجت بزى معين،والقوانين التى تمنع المظاهرات والاحتجاجات السلمية وتزج بمنظميها والمشاركين فيها فى المعتقلات،وتلك المقيدة لحرية العمل السياسى كالتجمعات الحزبية والندوات السياسية والحملات الدعائية،والقانون الذى يقضى بإغلاق الصحف واعتقال الصحفيين اذا انتقدوا أفعال النظام وسياساته وتحالفاته التى تضر بمصالح السودان كما هى الحال مع ايران،وأخيرا منع تسخير إمكانات الدولة لضمان بقاء حزب البشير فى السلطة أى عدم نزاهة الانتخابات إن لم يكن تزويرها. الخطوات وأكثر منها هى ما يمكن أن يعيد الثقة ولوجزئيا لقوى المعارضة للدخول فى حوار مثمر مع الحزب الحاكم والتعاون معه لإخراج البلاد من وهدتها.وليت الرئيس وقادة المعارضة لا يضيعون الوقت فى مطالب خيالية أومناقشات بيزنطية بوضع شروط مستحيلة تضرب فكرة الحوار فى مقتل.فاذا اتكل قادة الحزب الحاكم على أن السلطة فى أيديهم، وأن على المعارضة أن تقبل ممتنة ما يتنازلون عنه لها بمحض ارادتهم فلن ينجح الحوار، وقد لا ينعقد أصلا.وإذا ظل قادة المعارضة يرفضون الحوار ،حتى تلبى الحكومة كل مطالبهم فسوف يجلسون طويلا فى العراء خاصة بعد فشلهم فى حشد الجماهير فى انتفاضة تسقط النظام واخفاقهم فى التقاط الخيط عند وقوع مظاهرات الوقود الغاضبة فى النصف الثانى من العام الماضى واحتجاجات الطلبة من قبلها. لماذا لا يتحلى الطرفان بقدر من المسئولية ويتحركان بسرعة لإنقاذ السودان الذى عانى طويلا من ويلات الحروب من المصير المؤلم لدول الربيع العربي(مصر وتونس واليمن وليبيا)؟ وإذا كان البشير وحزبه واثقين من شعبيتهم وإعادة انتخابهم فلماذا لايستجيبون لمطلب المعارضة بتشكيل حكومة انتقالية تهييء البلد لانتخابات حرة حقيقية فى ابريل 2015، وبذلك يدفعون عن أنفسهم تهمة النية المبيتة لتزوير نتائجها؟.ولماذا لايتركون للناخب فرصة تجريب حزب آخر ورئيس لعله يأتى بفكر جديد ينقذ البلد؟.ولماذا تبقى أحزاب المعارضة والحركات المتمردة متمترسة خلف أفكار جامدة، وأحيانا غير واقعية، بينما عليها أن تكون مرنة ولديها بدائل عديدة للحوار وألا تنتظر أن يقدم لها البشير السلطة على طبق من ذهب قبل أن تتحاور معه؟ الاهرام