ردّت جمهورية مصر الشقيقة اعتبار الرئيس محمد نجيب... هل يردُّ السودان اعتبار الرئيس إبراهيم عبود... متى؟. لا يزال قدامى خصوم الرئيس عبود من العقائديين السابقين، يطلقون في (21/ أكتوبر) من كل عام قنابلهم الصوتية لإرهاب السياسيين، بعدم اتخاذ القرار المنصف برد الإعتبار، ذلك القرار الذي يترتب عليه تصحيح التاريخ وتقويم الزيف السياسيِّ ورسم خارطة طريق إلى المستقبل... مستقبل بدون حزبيين عقائديين... بدون حزبيين طائفيين... بدون فاشلين. إسمه بالكامل إبراهيم أحمد البشير عبود. تولَّى حكم السودان ستّ سنوات، في الفترة من (17 نوفمبر 1958م 28 أكتوبر 1964م). كيف جاء إبراهيم عبود إلى الحكم؟. عندما وصل الصراع الحزبي مداه بين حزب الأمة والحزب الوطني الإتحادي، قام زعيم المعارضة السيد إسماعيل الأزهري بزيارة إلى مصر والعراق، وكانت الحكومة تتشكَّل حينها من حزب الأمة (حزب الأنصار) بالتحالف مع حزب الشعب الدّيمقراطي (حزب الختمية). وكان رئيس الوزراء عبد اللّه خليل يشغل إلى جانب رئاسة الوزراء منصب وزير الدفاع. كان عبد اللّه خليل من جهة أخرى، رئيساً لحزب الأمة، ويخوض صراعاً شرساً مع السيد الصديق المهدي. صراعاً لا يساويه إلا الصراع مع السيد إسماعيل الأزهري. السيد/ الصديق المهدي كان في الأربعينات من العمر. ولكن (سور برلين) الطاعن في السّن، كان أمام طموحاته. (سوربرلين) كان عند تسلّمه منصب رئيس الوزراء في الثانية والسبعين من العمر. أصبح (سوربرلين) داخل الحزب حاجزاً حتى أمام النَّجل الأكبر لإمام الأنصار!. كان شعار (سور برلين) أن أدبيات الحزب تضع الكبار أمام الشباب، إلا في ثلاث حالات (إذا ركبوا خيلاً أو ساروا ليلاً أو خاضوا سيلاً)!. جاء السيد/ عبدالله خليل إلى رئاسة الوزارة بعد أن التقى السيدان عبد الرحمن المهدي وعلي الميرغني، برغم مرارة الصراعات بينهما، التي تمتد إلى نصف قرن تقريباً. وذلك فيما عُرف ب (لقاء السيدين)، والذي تمّ بهدف القضاء على الخصم المشترك السيد إسماعيل الأزهري رئيس الحزب الوطني الإتحادي. وتشكَّلت حكومة جديدة من حزب الأمة وحزب الشعب الديمقراطي، برئاسة السيد/ عبد اللّه خليل. وأصبح السيد/ الأزهري زعيماً للمعارضة. جاءت حكومة السيد/ عبد اللّه خليل إلى الحكم في فبراير 1958م، وسط فساد وتزوير في الإنتخابات، وانقسامات سياسية ومظاهرات ضد الحكومة في الخرطوم، وتذمُّر في الجنوب، وعجز الحكومة عن معالجة العديد من القضايا الإجتماعية والإقتصادية والسياسية. ودخلت حكومة حزب الأمة برئاسة عبد اللّه خليل في نزاع حادّ مع مصر. ورفع السودان شكوى ضد مصر في مجلس الأمن. كان الرئيس جمال عبد الناصر يعتقد أن قاعدة عسكرية غربية تستهدف أمن مصر، سيتم إنشاؤها في حلايب. يُذكر أنَّ السيد عبد اللّه خليل كان قد التقى عام (1957م)، وزيرة خارجية إسرائيل قولدا مائير وذلك في باريس. في سياق احتقان السياسة السودانية وتعقيداتها المتزايدة، قام السيد/ الأزهري بزيارة مصر التي تغلي تحت قيادة ثورة يوليو وزعامة جمال عبد الناصر الكاريزما. وذلك في أعقاب زيارته العراق الذي أطاح بالنظام الملكي الهاشمي في ثورة يوليو (تموز). زيارة السيِّد/ اسماعيل الأزهريّ إلى العراق عام 1958م، كانت لتهنئة الرئيس عبد الكريم قاسم بنجاح ثورة تموز (يوليو) والإطاحة بالنظام الهاشميّ. ومن بغداد غادر السيد/ الأزهري إلى القاهرة التي وصلها الشيخ علي عبد الرحمن رئيس حزب الشعب الديمقراطي (حزب الطريقة الختمية التي ترتبط بعلاقات خاصة مع مصر). في القاهرة وفي اطار دور مصري نشيط، تمّ ترتيب فكّ ارتباط حزب الشعب الديمقراطي بحزب الأمة وانسحاب حزب الشعب الديمقراطي من حكومة السيد عبدالله خليل، وإنشاء تحالف بين الحزب الشعب الديمقراطي والحزب الوطني الإتحادي. أي تمّ ترتيب إسقاط رئيس الوزراء السيد/ عبد الله خليل وتشكيل حكومة جديدة برئاسة السيد/ اسماعيل الأزهري. في القاهرة تمَّت ترتيبات أن تسقط حكومة حزب الأمة ويصبح رئيس الوزراء السيد/ عبد اللّه خليل زعيماً للمعارضة، ويصبح السيد/ إسماعيل الأزهري رئيساً للوزراء للمرة الثانية. حيث كان السيد الأزهري رئيس وزراء أول حكومة وطنية، في أول انتخابات في عهد الإستقلال. كان يوم (17/ نوفمبر 1958م) هو اليوم الذي سيجتمع فيه البرلمان لسحب الثقة من حكومة حزب الأمة برئاسة السيد/ عبد اللّه خليل وتنصيب السيد إسماعيل الأزهري رئيساً للوزراء. ووفقاً لقواعد السياسة والديمقراطية والقانون، فقد خسر حزب الأمة الحكم، وبموجب الديمقراطية خرج من القيادة. ولكن حزب الأمة برئاسة السيد عبد اللّه خليل رئيس الوزراء ووزير الدفاع، قرَّر تسليم الحكم يوم (17 نوفمبر 1958م) إلى القائد العام للجيش السوداني الفريق إبراهيم عبود، بدلاً من تسليمه في نفس اليوم (17 نوفمبر 1958م) إلى السيد إسماعيل الأزهري داخل البرلمان، حسب القواعد الديمقراطية. بذلك كان حزب الأمة أول من أدخل الجيش (المؤسسة العسكرية) في السياسة السودانية. وبدلاً من أن يصبح السيد/ إسماعيل الأزهري رئيس الوزراء للمرَّة الثانية يوم (17 نوفمبر 1958م)، قُطع عليه الطريق، وأطاح به حزب الأمة في انقلاب عسكري. أمر السيد رئيس الوزراء ووزير الدفاع عبد اللّه خليل، القائد العام للجيش الفريق إبراهيم عبود بتولي قيادة السودان. هناك رواية بأن فكرة تسليم الحكم من السيد/ عبد الله خليل إلى الجيش، هي فكرة جاء بها الإمبراطور هيلا سيلاسي ملك أثيوبيا إلى صديقه المقرَّب السيد/ عبد الله خليل. في التحقيقات التي أجراها النائب العام (1965م)، مع قيادات حكومة (17 نوفمبر 1958م)، أوضحت الإفادات أن ثورة (17 نوفمبر 1958م)، لم تكن انقلاباً، بل كانت أمراً من وزير الدفاع للقائد العام، وأنها كانت (تسليم وتسلم). أفاد اللواء محمد أحمد التجاني، أحد قادة حكومة (17 نوفمبر 1958م) أن السيد/ عبد اللّه خليل سلم السلطة إلى القائد العام للجيش على أن تُعاد إليه فيما بعد، ولكن!. أنظر بقية الإفادة في كتاب تحقيق النائب العام مع قادة (17 نوفمبر 1965م)، مكتبة السودان جامعة الخرطوم. تولَّى القائد العام للقوات المسلحة السودانية إبراهيم عبود قيادة السودان في (17 نوفمبر 1958م)، لينقذ السودان من محنة السياسة الحزبية وعواصف صراعاتها المتصاعدة بلا نهاية، فأصدر أمراً بحل الأحزاب السياسية، وأعلن قيام المجلس الأعلى للقوات المسلحة من اثني عشر عضواً. كما أصدر قراراً بتشكيل لجنة للدستور لوضع دستور دائم. ووعد الفريق عبود بحَلّ الإشكالات مع مصر. إلى جانب العسكريين القياديين، شكَّل إبراهيم عبود حكومة السودان من طاقمٍ من أفضل السياسيين الوطنيين ومن أميز الكفاءات التكنوقراطية الوطنية... أحمد خير وزيراً للخارجية... مكي المنَّا وزيراً للرّي والقوَّة الكهربائية المائية... عبد الماجد أحمد وزيراً للإقتصاد... مأمون بحيري محافظاً لبنك السودان... وغيرهم...