منذ أن برزت قطر كلاعب إقليمي قوي أقامت علاقة قوية مع الحكومة السودانية التي استقبلت هذا التوجه بشكل جيد في ظل الحصار الاقتصادي المفروض عليها، ويعد أكبر اختراق في هذه العلاقة عندما أقدمت الدوحة للتوسط لإنهاء النزاع في إقليم دارفور المضطرب منذ العام 2003م وبالفعل نجحت في هذا الأمر، وشهدت العاصمة القطرية مفاوضات سلام بين الحركات المسلحة والحكومة السودانية، توجت بتوقيع (وثيقة الدوحة) في العام 2011م بين حركة التحرير والعدالة بزعامة تجاني سيسي والحكومة. ولعبت دولة قطر دوراً مهماً في قضايا السودان السياسية والاقتصادية، وظلت العلاقة بين السودان وقطرعلاقة استراتيجية مميزة. وفي ظل هذا السند السياسي والاقتصادي، يبدأ حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، اليوم، زيارة إلى الخرطوم، يجري خلالها مباحثات مع الرئيس عمر البشير، وسط توقعات بلقائه ببعض قادة الأحزاب المعارضة. ولمعرفة أبعاد هذه الزيارة ومدلولاتها على السودان وعلى المستوى الإقليمي أجرت «العرب» استطلاعا مع قيادات الأحزاب السودانية (معارضة وحكومة) وعدد من المحللين السياسيين السودانيين. مسؤول الأمانة السياسية في حزب المؤتمر الشعبي المعارض بزعامة الدكتور حسن الترابي، كمال عمر: قال: إن زيارة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، إلى الخرطوم، تأتي في ظل ظروف عصيبة جدا يمر بها السودان، في مقدمتها القتال الدائر بعدد من الأقاليم، والأزمة الاقتصادية، بجانب الحصار الاقتصادي. وأشار إلى أن قطر مهتمة جدا بإحلال السلام في السودان لجهة أن لها علاقة متميزة تربطها مع السودانيين في المقام الأول. وتوقع عمر أن يجري سمو الأمير مباحثات مع زعيم حزب المؤتمر الشعبي حسن الترابي خلال زيارته للخرطوم. وأضاف: «رغم أن الترابي سيزور الدوحة قريبا إلا أنه من المرجح أن يلتقي الترابي سمو أمير قطر في الخرطوم». وأكد «أن قطر لديها خارطة سياسات واضحة نسبة لامتلاكها مراكز بحوث متقدمة، وتجد هذه المراكز قبولا لدى السودانيين لحياديتها الواضحة للعيان، وتمتعها بالخبرات الواسعة والمؤهلة والمدربة». وأشار إلى «أن على حزب المؤتمر الوطني الحاكم أن يعلم تماما أن قطر حليفة للسودانيين بمختلف توجهاتهم السياسية». وذكر أن الحكومة القطرية دعمت السودان بسخاء في وقت تخاذلت فيه الدول العربية وتقاعست عن مشاكل السودان. وتابع: «علاقة السودان وقطر علاقة تتجاوز الأحزاب الحاكمة والمعارضة إلى علاقة بين شعبين شقيقين». علاقة قوية من جانبه، قال القيادي في حزب المؤتمر الوطني الحاكم الدكتور حسين كرشوم: إن زيارة أمير قطر تحتل أولوية قصوى في هذا التوقيت، لأن الدوحة دخلت بثقلها لإنعاش العملية السلمية في دارفور، كما أن قطر مهتمة بالسلام عموما في السودان ولديها علاقات قوية مع الخرطوم. وأضاف كرشوم وهو أيضاً خبير سابق في الأممالمتحدة: «سنكون ظلمنا قطر كثيرا إن قلنا إنها لن تجلب السلام في السودان لأنها دولة قائدة في المنطقة وتتمتع بثقل كبير دوليا وإقليميا». وأشار إلى أن الحكومة القطرية نظمت مؤتمرا هو الأول من نوعه وجمعت القادة العسكريين والسياسيين بالحركات المسلحة، وهذه تطورات متقدمة لا يجيدها سوى القطريين. وتابع: «بعثت من قبل الأممالمتحدة بنيويورك للإشراف على المؤتمر في العاصمة القطرية، وتابعت اهتماما قطريا منقطع النظير بالسلام في دارفور». وأضاف: «أدوار قطر في السودان ليست مقصورة على عملية تحقيق السلام في البلاد.. قطر لها أدوار أخرى تتمثل في دعم الاقتصاد السوداني عبر الاستثمارات الناجحة». ومضى كرشوم يقول: «زيارة أمير قطر للسودان في هذا التوقيت، لها معان عميقة ودلالات كبيرة». وقال إن الاستثمارات القطرية في السودان ستتصدر المباحثات مع البشير إلى جانب متابعة إنفاذ المشاريع التي مولتها قطر بأكثر من 500 مليون دولار خلال العام 2013، وأبرزها مشروع توصيل كهرباء أبوحمد بولاية نهر النيل بقرض قطري بلغ 218 مليون دولار. أكبر حليف للسودان بدوره، قال مسؤول العلاقات الخارجية بحزب الأمة القومي أكبر الأحزاب المعارضة في السودان، السفير نجيب الخير عبدالوهاب إن قطر تعتبر حاليا من أكبر الحلفاء الداعمين للسودان، وأكد أن الحكومة القطرية لديها مواقف مشرفة تجاه السودان ودعمت الاقتصاد السوداني إبان عثراته، واستضافت قطر خلال العام 2013 حوارا بين الفرقاء السودانيين. وكان مركز الجزيرة للدراسات الاستراتيجية، نظم مؤخراً ندوة عن تعزيز السلام في السودان وتحدث في الندوة زعيم حزب المؤتمر الشعبي حسن الترابي وعضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الشفيع خضر والقيادي في حركة الإصلاح الآن، والمنشق عن الحزب الحاكم غازي صلاح الدين، وهي أول مبادرة من نوعها من قبل دولة عربية تجمع عتاة الإسلاميين وقيادات رفيعة بأحزاب اليسار المعارضة. ورأى مسؤول العلاقات الخارجية بحزب الأمة القومي المعارض، أن الندوة شكلت النواة الحقيقية للحوار السوداني الجاري الآن بين الأحزاب السودانية، وقال: «إن الحوار الذي جرى أثناء الندوة شكل لبنة أولية لجمع الفرقاء السودانيين بمختلف توجهاتهم». لاعب دولي في السياق، قال أكبر حزب شريك لحزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان، إن دولة قطر أصبحت لاعبا دوليا أساسيا، وأضاف أن السياسة العالمية لم تعد ترتبط بحجم مساحة الدول بقدر ما ترتبط بحجم المصالح والتكتلات والدور المحوري الذي تلعبه أية دولة حسب معطياتها السياسية والاقتصادية، وتأثيرها وارتباطها بالدول الكبرى المؤثرة في السياسة العالمية. وقال القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي علي السيد، إن الدوحة أصبحت بؤرة الاهتمام العالمي نسبة للحراك الدبلوماسي الواسع الذي تقوده بفضل ارتباطها بالدول الكبرى، وأضاف: «نسبة للسياسة الخارجية القطرية الثابتة على مبدأ احترام خيارات الشعوب والمساعدة في استقرار السلم والأمن الدوليين فقد نشطت الخارجية القطرية في دفع خيارات السلام في السودان لما للسودان من ارتباط معنوي كبير لدى قطر وروابط تاريخية مميزة وبدعم مباشر من أمير قطر، ورأى السيد أن زيارة أمير قطر للخرطوم تتويج للعلاقة الجيدة التي تربط البلدين. تحركات قطر من ناحيته، أشار المحلل السياسي ورئيس شعبة العلوم السياسية بجامعة الزعيم الأزهري آدم محمد إلى أن «الدوحة تساهم بشكل كبير في إنعاش خارطة السلام في إقليم دارفور، كما أن قطر يمكن أن تعلب دوار كبيرا في مساعدة الخرطوم لرفع العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولاياتالمتحدة الأميركية على السودان منذ العام 1997». وقال: «إن العملية السلمية في السودان مرتبطة بشكل كبير بالتحركات القطرية، خاصة أنها تمتلك ثقلا كبيرا في المجتمع الدولي» ويضيف قائلا: «قطر قادرة على إقناع الحركات الرافضة للسلام وهي غير رافضة للوساطة القطرية لكنها تعاني من خلافات داخلية» وتابع: «هذه الخلافات هي التي أدت إلى عدم انخراط الحركات المسلحة في السلام لكنها تقدر وتثمن الدور القطري». ويقول آدم إن الدوحة تمنح فرص السلام لمن يبحثون عنه، والجهود الدبلوماسية التي تبذلها الدوحة «جبارة للغاية». إلى ذلك، يؤكد محللون سياسيون أن زيارة أمير قطر إلى الخرطوم مهمة جدا في هذا التوقيت لجهة أن بعض الملفات المشتركة بين البلدين ستحظى باهتمام سمو الأمير بشكل مباشر. وفي هذا الاتجاه قال المحلل السياسي ورئيس كلية العلوم السياسية بجامعة بحري عمر عبدالعزيز إن الدوحة قادرة على إنعاش السلام في السودان. وأضاف: أرجح أن تحدث الزيارة تفاهمات عميقة بين الخرطوموالدوحة». العرب