في نعي الشاعر الإنسان و المناضل الشيوعي محجوب شريف أي قلب توقف عن الخفقان أي إنسان نبيل قد رحل وداعا يا من أضاء بشعره البلاد .. و عمر نفوس الناس بالاتزان و التفاؤل و الثقة في الغد يا وطن .. يا سودان : انت الأول و بعدك تاني هكذا تكلم محجوب شريف قبل رحيله، معلنا من على برزخ الحياة و الموت ميثاق الوفاء، صادحا بعزمات الثورة و موكدا تمسكه بمشروعه التقدمي . كان محجوب شريف يتحاشى ان يراه الناس كحالة استثنائية محشورة في البرج العاجي للشعر، كان يرفض تصويره بالشخص الفريد، و ظل يصر و يؤكد قولا و فعلا انه صناعة الشعب و ولادة ( العكة ) اليومية لحياة الناس، و ماركة اصيلة في سجل الثورة الثورة السودانية في تاريخها و عمقها و اتساعها و إنسانيتها، الثورة السودانية في مدها و جذرها، في أحداثها الجسام و وقائعها المتناثرة .. كانت يوميات و حياة محجوب على وجه الدقة تمثل و تجسد الثورة السودانية في حراكها الذي لا يفتر. ظل محجوب شريف حتى لحظته الأخيرة داخل ذلك المشفى الأمدرماني، ظل بسيطا و قويا، و مفهوما كما هي ( الحقيقة ) .. الحقيقة التي هي دائماً بسيطة و قوية و مفهومة ولو ان الشيوعية في طورها النهائي كما وصفتها الاشتراكية العلمية، هي انتقال الإنسان الجديد من ملكوت الحوجة و الضرورة و التشوهات و الزيف و الخوف الي ملكوت " الحرية " .. فان محجوب شريف يكاد يكون قد حقق الشيوعية و جسدها عبر حياته العامرة بالنبل و الاستقامة و الوعي الإنساني العميق لقد انعقدت مفاخر السلوك الإنساني السوى بلواء محجوب شريف، و اهمها قد كان حبه و احترامه للناس كما هم ناس و لدتهم أمهاتهم، دون اعتبار لعرق، او لون، او دين، او حسب، او نسب، او طبقة اجتماعية .. و مع ذلك فان محجوب كحالة واقعية بعيدة عن الأسطورة، هو نتاج بسيط و سهل لأفضل ما افرزه الوعي الانساني السوداني الثوري. الوعي بوصفه مغالبة، و استيعاب، و فهم، و إعادة فهم لعلاقات الواقع. الوعي الثوري ممثلا في الانتماء للحركة المنظمة الناشدة للتغيير التقدمي، كان محجوب بالاساس ثوريا واعيا قبل ان يكون شاعرا ملهما .. ثوريا واعيا بالواقع و حركة التاريخ و نواميس الحياة اليومية للناس .. الحياة بوصفها تلك الانتصارات و الهزائم، الأفراح و الأحزان، الركود و الفوران، الحياة وهي تستدعي من عمق المحن و الأزمات تلك الانتفاضات الباسلة، و سرمدية الحراك الجماهيري الثوري عاش محجوب شريف سنينه الأخيرة في سودان المحنة. عاش متمسكا ببلده التي شلع أعمدتها و دمر بنيانها و أفقر أهلها مجرمي الراسمالية الطفيلية. عاش محجوب مثل عشرات الآلاف بل الملايين من أهل السودان عليلا و فقير .. لكنه ظل يملك ما هو اهم و أعظم من الصحة و المال .. امتلك هذا الشيوعي السوداني طيبة القلب و الخاطر، امتلك تيار الرحمة الدافق و الكنف الموطأ، امتلك سلامة الوجدان و اتساق تلك العلاقة ما بين العقل و القلب .. حقق محجوب تلك الحالة الفلسفية ًالمعروفة ب ( نورانية الإنسان الثوري الرفيع ) إذن و بالضرورة فقد جاءت أوزانه و قوافيه ناصعة جلية و سهلة تلامس شغاف القلب و يحكمها قانون ( من الشعب و الي الشعب ) .. فبرز منذ تلك السبعينات للقرن الماضي بوصفه حادي مواكب الثورة و المحرض الكبير على عمل الخير، و رد الجميل، و داعية لا يفتر لبرامج التغيير التقدمي. في سبتمبر 2013 أكدت دورات النضال الثوري للجماهير، عمق محجوب شريف، و صدق إحساسه و معرفته بشعبه ( فالشاعر هو حقاً من يشعر و يحس و يرفد تيار المعرفة ) .. فاطل من جديد ( ود الزين ) ذاك الفتى المغوار ( العودو خاتي الشق ) .. و امتلأت سجون الشرف و العزة و الثبات بنساء و ( رجالة ما بتنداس )، و ارتفعت عالية و مخضبة بالدماء الغالية رايات البرنامج الوطني الديمقراطي لحلف الكادحين الثوري .. و سطع في أفق حركة الجماهير العفوية برق الصحوة الثورية كاشفا لمنظر فريد و اصيل : ذاك المستشفى و تلك المدرسة وهما يدفعان بالسجن و بيت الاشباح الي مزبلة التاريخ، و ليحتلا مكانهما الطبيعي في وطن راشد، و عاقل، يسوده السلم، و التسامح، و العدل، و قانون التعدد .. وطن مغمور بحركة الانتاج و البناء و الناس الطيبين الأصحاء التحالف الديمقراطي بأمريكا : ينعى محجوب شريف ود ( مريم محمود ) زوج أميرة الجزولى و والد مريم , ومى لجماهير الثورة السودانية في الهامش و المدن، ننعيه لكل من حمل اشواق مشروعة و أصيلة لمجتمع اشتراكي خير و فاضل، ننعيه للمعذبين و مكسورى الخاطر من البسطاء و الفقراء في بلد ثروته صارت كلها في يد خمسة بالمائة من المترفين السفهاء من جماعة الموتمر الوطني و أشياعهم من جماعة التدليس و الارتزاق، ننعيه تحديدا للبواكي و مجروحي الماقي من النساء و الأطفال و الشيوخ في معسكرات التهجير القسري بدارفور و جنوب كردفان و النيل الأزرق و تلك الكنابي و الكرانك المصطفة حول المدن، ننعيه لكل طفل سوداني برىء حرم من التعليم و التطعيم و عرف الجوع و قسوة القذف الحارق للاتنوف و الميج و فقد الأب و الام ، ننعيه للصفوف الطويلة الباحثة عن العلاج و الدواء و لقمة العيش و جرعة الماء .. نعنيه للوطن في جهاته الأربعة و لكل الناس الصابرة المتوثبة لخوض معارك الخلاص الحواسم الفواصل وداعا يا محجوب شريف .. وداعا ايها الصديق الامين للناس، و محرضهم المخلص للوعي و الجمال و الانتفاضة و الثورة . التحالف الديمقراطي بامريكا - أبريل 2014 م