اكد حسن الترابي خلال خطابه بالامس امام الاجتماع الذي دعا له عمر البشير أنه قد حسم أمره فعلاً واكمل تفاهماته مع البشير وبات الآن يسوق لدعايته. واكثر مايؤكد ذلك دعوته لقيادات الجبهة الثورية وحاملي السلاح للحضور للخرطوم والمشاركة في "الحوار" دون وساطات او ضمانات مع نظام البشير الذي كان يخاطبه بالامس في جلسة الحوار بعبارة (الاخ الرئيس) مع أن عبارة الرئيس كانت تكفي في هذه المرحلة ولاتحتاج لاضافة صفة الاخ لها!. ومن المعروف عن الترابي علي مرَّ تاريخه السياسي أنه عندما يتخذ اي قرار يري فيه مايحقق له رؤيته ومصالحه لايبالي او يجتهد بمحاولة تبرير مواقفه للرأي العام وحتي لانصاره. ومن القصص المتداولة عنه ايام الديمقراطية الاخيرة انه قرر المشاركة مع الصادق المهدي في الحكومة بعد ان كان وحزبه يكيلون لها السباب، وعارض القرار بعض قيادات الحزب الذين برروا رفضهم المشاركة بان الشعب والجماهير ضد الحكومة وأنهم ظلوا يعباون الناس ضدها ولن يجدوا ماسيقولونه لهم تبريرا للمشاركة في الحكومة، ولما ضاق الترابي ذرعا بحديثهم قال لهم : "الشعب بقنعوا انا خلوهو كان عندكم سبب تاني قولوهو"، وبالفعل فإن مايعرف بالرأي العام وتطلعات الشعب لم تكن يوماً من الايام موضع إهتمامه حيث يمكنه إستخدام ملكة الخطاب والحديث والتلاعب بالالفاظ في تسويق اي فكرة حتي لوثبت عمليا انها الجحيم نفسه. ولتبرير دعوته - التي لايمكن ان ينادي بها مراهقي السياسة – بمشاركة قيادات الجبهة الثورية في الحوار بالخرطوم قال الترابي بالامس ان لدينا تجربة مماثلة بعد ثورة اكتوبر 1964م حين شارك متمردين جنوبيين في الحوار!. ويتعمد الترابي بالطبع خلط الاوراق بخبث وتدليس وتزوير للحقائق لايمتُّ للاخلاق بصلة حيث ان مؤتمر المائدة المستديرة عقد في عهد حكومة ديمقراطية – إنتقالية وفي اجواء انفتاح وحريات كبيرة اعقبت ثورة شعبية وكانت معظم اطراف الحكومة ومكوناتها تتعاطف مع قضية الجنوب وتأمل في حلها، بجانب دولة كانت معظم مؤسساتها تمتاز بالمهنية والحياد ولاتعبر عن حزب او اتجاه سياسي. ولايمكن مقارنتها البتة بالظروف الموجودة اليوم حيث الرئيس شريك في الازمة بل وهو الجاني والمجرم الاول، ودولة تم إختطافها لتمثل اتجاهات سياسية وإجتماعية محددة واجهزة امن ومليشيات لاتتوقف عن القتل والاغتصاب والنهب. هل كان الشيخ الترابي في كامل وعيه بالامس وهو يطالب مالك عقار والحلو وعرمان وعبدالواحد ومني بالحضور للخرطوم للمشاركة في مهزلة "الحوار"؟!. اين هي اتفاقية عقار – نافع التي تم عقدها بحضور دولي وتاييد اقليمي وضمانات؟ الغاها البشير في لحظة غضب بعد توقيعها مباشرة وهو يخطب امام المصلين بمسجد ووجه اعلامه لشن هجوم علي نافع نفسه والآن ينكر معرفته بها. وهل سمع باحكام الاعدام الصادرة بحقهم قبل اسابيع فقط من محاكم النظام؟! ومئات بل الآلاف المعتقلين في دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق وسنار من منسوبي المعارضة المسلحة والمواطنين الابرياء؟. إن مايعزز الشكوك تجاه الترابي بانه اكمل صفقته مع البشير ليس مشاركته في الحوار حيث ان هذا قد يعود لعدم التقدير السياسي الجيد ولكن الشكوك نابعة من ان الترابي بات يتحدث باسم البشير وبلسان مصالح اهل السلطة وليس بمصالح حزبه حين يدعو حركات مسلحات للحضور للخرطوم ويقدم لهم ضمانات لايملكها/ ويكرر الحديث والدعوة للمعارضة المدنية للمشاركة في "الحوار" ويفند دعوتها لإجراءات تهئية المناخ. نشير هنا لتصريح اعلامي ورد بالامس علي لسان البروفيسر الطيب زين العابدين وهو احد القيادات التاريخية للحركة الاسلامية والعالمين ببواطن الامور فيها ويمكن ان نستخلص منه فهم الاتجاه الذي يمضي فيه الترابي : "بالنسبة للعلاقة بين المؤتمر الشعبي والمؤتمر الوطني شخصيا أتوقع أن يتم الإعلان قريبا عن توحيد الحركة الإسلامية في السودان، وأن يتم منح الدكتور الترابي منصب قيادي في الحركة".